الجمعة 17 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التسول الإلكتروني.. قصص افتراضية وحيل خداعة

التسول الإلكتروني.. قصص افتراضية وحيل خداعة
27 سبتمبر 2019 00:16

أشرف جمعة (أبوظبي)

حيل براقة يتخذها المتسولون للإيقاع بالضحايا بوسائل شتى، وفي هذا العصر أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أبوابا تقرع لمن يجيدون استعطاف الآخرين بمظهر خداع من خلف قناع الحاجة والمرض، ومن ثم ابتكار أساليب لا تخطر على بال أحد، وفي كل يوم يكثر الضحايا وتزداد أرصدة هؤلاء المتسولين البنكية الذين يحملون أدران المرض النفسي وتمتلئ قلوبهم بالجشع والطمع بحثاً عن المال بالطرق غير المشروعة، وقد تفشت ظاهرة التسول التي تطل أكثر بوجهها القبيح في المواسم والمناسبات الدينية، لكن احتراف التسول عبر الإنترنت وصل إلى ذروته بادعاء الفقر والمرض وإيهام الضحايا بمرارة الحاجة للعلاج أو سد الجوع، والبحث عن سند في الكوارث والملمات، وعلى الرغم من التحذيرات المتواصلة من قبل الجهات المعنية بمجابهة التسول جنباً إلى جنب مع ما تقدمه الدراما والسينما والحملات الإعلامية لإبراز ظاهرة التسول، فإن الضحايا في تزايد كون المتسولين يتخيرون الضحايا ويتخيرون أيضاً الحيل بمكر وأناة للحصول على المال بأسهل الطرق وهو ما يجعل الحديث عن هذه الظاهرة موصولا من أجل كشف الألاعيب ومن ثم التوعية.

طلب مساعدة
يقول أيهم المسيري- 39 عاماً- وصلتني رسالة عبر «الواتس أب» لشخص يطلب المساعدة لأنه مريض بنوع غريب من السرطان، وأنه يرقد في أحد المراكز المتخصصة وأرفق عنوانه وشهادات طبية ورقم حسابه ولم يكن يطلب مبلغاً كبيراً من المال وبالفعل سارعت بإرسال المبلغ، وبناء على طلبه أعطيته أرقاماً لعدد من الذين لديهم رغبة في تقديم يد المساعدة للمحتاجين. ويلفت إلى أن هذا الشخص جمع مبلغاً كبيراً من الدولارات بهذه الحيل وأنه اكتشف ذلك من خلال مطالعة خبر صحفي يفيد بالقبض على أحد المتسولين الذين تنطبق عليهم كل المواصفات وبالحيلة ذاتها التي احتال بها عليه، ويلفت إلى أنه لم يكن يقدِّر أن المتسولين يمكن أن يبلغ بهم هذا الحد من الدهاء في ادعاء المرض وإيهام الآخرين بأنهم تحت وطأة العوز، وأنه أصبح يحتاط ويتبرع بما يقدر عليه من مال إلى الجهات الخيرية الموثوق بها خاصة أنه يعتبر ما تعرض له بمثابة درس لا ينسى.

حسرة وألم
ويذكر فيهم علي - 32 عاماً- أنه وجد رسالة خاصة على الفيس بوك من رجل يده مقطوعة ومشوه وينام على حصير في حجرة متواضعة ويطلب فيها مساعدته، وهو ما جعله يتعاطف معه، ويجمع من أقاربه مبلغاً من المال ليرسله إليه على الحساب الذي أوصى به، وكان لزوجته التي يزعم أنها الوحيدة التي ترعاه وهو ما جعله يسارع الخطى نحو مساعدته ليكتشف في النهاية أن هذا الشخص بعث برسائل كثيرة للعديد من رواد الفيس بوك لافتاً إلى أن منهم من رضخ له بدافع الشهامة والإنسانية وأن منهم من تشكك فيه وطلب معلومات أكثر دقة عن حالته، لكنه تفاجأ بنشر صورته على الفيس من قبل أحد المتابعين يبين فيها حقيقة كذبه وأنه يدعي المعاناة للحصول على المال وأنه نجح بالفعل في النصب على الكثير من الناس، ويلفت إلى أنه شعر بحسرة إذ لم يكن يتوقع أن مثل هذا الرجل بارع في استغلال من لديهم دوافع خير ورغبة في مساعدة المحتاجين.

قضايا نصب
قصة أخرى يرويها علي إبراهيم- 52 عاماً - عندما تعرف إلى شخص عبر الفيس بوك ونشأت بينهما صداقة، وأنه بعد مرور أسبوعين أرسل له رسالة مؤثرة يخبره فيها أن بيته احترق وأن ابناً له مات والآخرين يرقدون بين الحياة والموت في أحد المستشفيات، وأنه تأثر بهذه القصة فأرسل له مبلغاً كبيراً من المال ليكتشف بعد ذلك أن هذا الرجل مطلوب في قضايا نصب كثيرة، ويذكر علي أنه عاش لحظات حزينة إذ لم يكن يتوقع أن يتم النصب عليه بهذا الشكل وهو ما جعله يحترس من كل شيء ويحتاط بشكل مبالغ فيه وبشكل دائم.

غياب الأدلة
إعلان عبر الإنترنت كان سبباً في أن يقع محمد الحامد- 40 عاماً- ضحية أحد المحتالين، حيث تتبع هذا الإعلان الذي زعم صاحبه أنه يحتاج إلى مناخ حار لتنفيذ مشروعه الذي يجمع من خلاله المياه النقية بكميات كبيرة في أجواء عالية الرطوبة، وأنه أجرى تجاربه ويحتاج إلى شريك لافتاً إلى أنه أغراه بأنه سيحقق حلمه بالثراء الواسع سريعاً في حال قبول الشراكة بينهما، خصوصاً أنه أكد أن المشروع مضمون وبالفعل تواصل معه عبر الواتس أب واستطاع هذا المحتال أن يستنزف منه مبلغاً كبيراً من المال ثم اختفى بشكل مفاجئ، موضحاً أنه لم ينم ليلة كاملة، حيث ظل يفكر في هذا الموقف الذي حول حياته إلى كابوس مزعج ومن ثم قرر عدم النزوع للشق القضائي لأنه لا يملك أية أدلة ضد هذا الشخص فضلاً عن أنه لم يرد أن تنتشر هذه الواقعة بين المقربين منه، لافتاً إلى أنه بعد مضي أكثر من عامين على هذه الحادثة أصبح يتحدث إلى أصدقائه عن هذه الواقعة.

مكافحة التسول
وتقول حوراء موسى دكتوراه في الجرائم المرتكبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي: التسول استجداء بهدف الحصول على منفعة مادية أو عينية، والتسول عرف بصورته التقليدية في الأماكن العامة وعند المساجد وفي الحدائق وأن البعض منهم تجرأ وطرق أبواب البيوت طلباً للمال، إلا أنه مؤخراً ظهر نوع آخر مستحدث وهو التسول الإلكتروني، عبر وسائل تقنية المعلومات والتواصل الاجتماعي بهدف استعطاف المستخدمين للحصول على المنافع المادية والعينية وقد صدر عن الدولة قانون اتحادي رقم 9 لسنة 2018 في شأن مكافحة التسول بأية صورة أو وسيلة، مما يعني معه أنه يكافح التسول في صورته التقليدية والإلكترونية معاً، وقد بدأ العمل بهذا القانون منذ فبراير من العام الجاري 2019.

قانون ملزم
وأشارت إلى أن هذا القانون يهدف إلى الحفاظ على الصورة الحضارية للمجتمع ومكافحة جريمة التسول وحماية المجتمع من الجرائم المرتبطة بتلك الجريمة، ويعاقب القانون على جريمة التسول بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن 5000 آلاف درهم، كما نص المشرع على أنه في حال كان المتسول صحيح البنية أو كان له مورد ظاهر للعيش، أو كان قد اصطنع الإصابة بجروح أو عاهات مستديمة أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع والتغرير بقصد التأثير على الآخرين لاستدرار عطفهم، عد ذلك ظرفاً مشدداً، هذا بجانب أن المشرع لم يغفل عن جريمة التسول المنظم، إذ يعاقب بالحبس مدى لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 100.000 درهم كل من أدار جريمة التسول المنظم كما يعاقب بذات العقوبة كل من استقدم أشخاصاً ليستخدمهم في هذا النمط من الجرائم، في حين أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن 5000 درهم كل من شارك في جريمة التسول المنظم.

جهات مختصة
وتشير إلى أن القانون الجديد لمكافحة التسول ينطبق على التسول بكافة أشكاله التقليدية والإلكترونية، ويتم مكافحة هذا النمط من الجرائم بداية من خلال توعية أفراد المجتمع من عدم الانجراف وراء تلك الرسائل والمنشورات الاستعطافية، حيث إن هناك جهات مختصة تصل للمحتاجين ويصلون إليها ومن خلالها يتم فتح باب التبرع للعامة كما تفعل الجمعيات الخيرية، عدا ذلك فعلى أفراد المجتمع الحذر من الوقوع في تلك الخديعة من خلال إرسال الأموال التي لا يعلم فيما سيتم استخدامها، أو في الإضرار بأمن واستقرار الدولة أو في ارتكاب أنماط إجرامية أخرى، مع ضرورة تعاون أفراد المجتمع مع السلطات المختصة للإبلاغ عن المتسولين عبر وسائل تقنية المعلومات لاتخاذ الإجراءات اللازمة، سواء كان الإبلاغ عنهم من خلال التوجه لمركز الشرطة أو من خلال تطبيقات الإبلاغ عن الجرائم كتطبيق الشرطة الذكي وتطبيق مجتمعي آمن وتطبيق بلغ النيابة.

باحثة اجتماعية تحذر من التأثر بالحالات
تقول الدكتورة سعاد العريمي أستاذ علم الاجتماع قسم الحكومة والمجتمع بجامعة الإمارات: إن بعض رواد التواصل الاجتماعي يقعون ضحايا للمتسولين بسبب التأثر الشديد بالحالات التي تعرض نفسها على أنها في ضائقة مالية، وفي حاجة للعلاج مع ذكر أسباب تحرك العواطف الإنسانية، ومن ثم سرد قصص محكمة، موضحة أنه من الضروري عدم الالتفات لمثل هؤلاء وتحكيم العقل كون التعامل مع شخص افتراضي يدعو للقلق، وتشير إلى أن التوعية ضرورية للتصدي لمن يتخذ من وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتحقيق أهداف غير مشروعة، وأن مساعدة من يدعي المرض أو الحاجة في مثل هذه الظروف يسهم في انتشار الظاهرة اجتماعياً، وأنه من الضروري توعية الجيل الجديد الذي يتعامل مع التكنولوجيا في كل مناحي الحياة.

سينما ودراما لمواجهة الظاهرة
الفنان حمد الكبيسي يقول: لقد جسدتْ الكثيرُ من الأعمال الدرامية والسينمائية عادة التسول بشكل ساخر أو جاد وكذلك المسرح، ويلفت إلى أن المجتمع في حاجة إلى أعمال فنية أكثر لمجابهة هذه الظاهرة في ظل وجود حيل جديدة يبتكرها الكثير من الناس عبر الإنترنت وهو ما يجعل الأعمال الفنية الجديدة مواكبة لقضايا العصر، مشيرا إلى أن للفن دور في مكافحة ظاهرة التسول الإلكترونية لكونه بمثابة أداة للتوعية وتعريف الجمهور بكيفية التعامل مع هذا النوع من التسول.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©