الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

مصانع المستقبل تنطلق في الصين

مصانع المستقبل تنطلق في الصين
27 أغسطس 2018 01:42

تقع خطط مستقبل الصين الصناعي في أرض صناعية خالية من الغبار تُعرف باسم «ورشة العمل 18»، حيث يعمل عمال يرتدون أزياء زرقاء داكنة جنباً إلى جنب مع «روبوتات» لبناء شاحنات ضخ يمكنها قذف الإسمنت إلى أعلى ناطحات السحاب في العالم.
ويعمل المهندسون، في المصنع الذي تديره شركة «ساني»، على اكتشاف كيفية صنع منتجات أفضل من خلال تحليل آني لمعلومات تخزنها أجهزة كمبيوتر ملحقة بالآلات التي تعمل في كل أنحاء العالم، وترسلها إلى مركز بيانات قريب من موقع المصنع.
وفي الوقت الراهن، تتعقب الشركة 380 ألفاً من خلاطات الخرسانة والحفارات والرافعات المتصلة بياناتها بشبكة الإنترنت، وقد جمعت أكثر من 100 مليار عنصر من البيانات الهندسية المختلفة.
وقد اختار مسؤولو الصناعة الصينيون مصنع «ورشة العمل 18» كمنشأة نموذجية لخطة بكين لرفع مستوى شركاتها الكبرى لتنافس بشكل أفضل على مستوى العالم، وذلك ضمن خطة أعلنتها السلطات الصينية التي ترفع شعار «صنع في الصين عام 2025»، وهي خطة تعتمد على الروبوتات والبيانات الضخمة وغيرها من الوسائل التقنية الحديثة.
وينظر الزعماء الصينيون إلى التقدم التكنولوجي باعتباره عاملاً أساسياً في تطوير الشركات العملاقة المحلية في مجالات مثل معدات الطاقة والسيارات الكهربائية والمنتجات البحرية والرقائق، وهي قطاعات تهدف الصين إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي فيها إلى حد كبير بحلول منتصف العقد المقبل.
وقالت «ساني»، إحدى أكبر 3 شركات لصناعة الآلات الثقيلة في الصين، إن تكامل التكنولوجيا أدى إلى زيادة السعة، وتقليص أوقات التسليم، وخفض التكاليف التشغيلية بنسبة 20% على الأقل. كما تراهن الشركة على أن التكنولوجيا ستمكّنها من بناء سمعة جيدة للابتكار والجودة، بدلاً من تخفيض أسعار المنتجات المقلدة التي جعلت «ساني» لاعباً كبيراً ورئيساً على المستوى المحلي.
وقال بان رويجانج كبير مسؤولي المعلومات: «إن مستقبل صناعة المعدات الثقيلة يعتمد إلى حد كبير على البرمجيات والبيانات، كما هو الحال في الأجهزة الإلكترونية الحديثة».
وواجهت استراتيجية «صنع في الصين 2025» انتقادات واسعة في الولايات المتحدة، حيث اتهم أعضاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطات في بكين باستخدام الإعانات والحمائية لدعم الشركات الصينية بشكل غير عادل. وقالت الصين إن أهدافها شفافة وإن هناك دولاً أخرى لديها سياسات تهدف إلى تعزيز الصناعات المحلية لكن بطرق ملتوية.
ووفرت بكين مليارات الدولارات من خلال برامج لدعم المدن والمقاطعات الرئيسة لمساعدة الشركات على اللحاق بالمتنافسين الأجانب. ويمكن للشركات الصينية التي ترغب في بناء أو الاستثمار في مصانع مماثلة لمصنع 18 المتطّور التقدم بطلب للحصول على إعانات حكومية تصل قيمتها إلى 45 مليون دولار، وفقاً للوثائق الحكومية الرسمية في الصين.
وتوفر السلطات في بكين القروض الوفيرة للشركات القادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، حيث يعمل بنك التنمية في البلاد مع وزارة الصناعة الصينية لتوفير نحو 300 مليار يوان (43.9 مليار دولار) من التمويل للمشروعات الكبرى.
وقد مكنت تلك الحوافز المقدمة للمصنعين الصينيين من شراء المزيد من الروبوتات لتصبح البلاد أسرع سوق أتمتة في العالم. وفي عام 2016، قامت الصين بتركيب 87 ألف روبوت، أي أكثر من الولايات المتحدة وألمانيا مجتمعتين، وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات.
في الوقت نفسه، ترغب بكين في الوصول إلى كثافة روبوتات تبلغ 150 روبوت لكل 10 آلاف موظف بحلول عام 2020، أي أكثر من ضعف مستويات عام 2015، رغم أنها لا تزال خلف الولايات المتحدة، حيث تبلغ هذه النسبة هناك 189 روبوتاً لكل 10 آلاف موظف.
وتتخذ شركة «ساني» من مقاطعة هونان الصينية الكبرى مقراً لها، وهي مسقط رأس الزعيم التاريخي للصين ماو تسي تونج، مؤسس الصين الحديثة. وقد ظلت «ساني» على مدار ثلاثة عقود ملتزمة بقوة بأهداف بكين الاقتصادية، ونجحت أعمالها في الغالب جنباً إلى جنب مع اقتصاد الصين القائم على البنية التحتية. وبدأت «ساني» عن طريق الهندسة العكسية للماكينات الأجنبية في إنتاج نسخ أرخص، وكانت واحدة من أكبر الشركات الصينية التي تم الإعلان عنها في داخل البلاد في عام 2000.
والهندسة العكسية المعروفة في الصين هي أن تقوم الشركات الصينية بتفكيك المعدات التي يتم صنعها في دول أخرى لتتعرف بذلك إلى كيفية عمل تلك المعدات والتكنولوجيا الحديثة المستخدمة في صناعتها، وبالتالي تتعرف المصانع الصينية على كيفية تقليد واستخدام هذه التكنولوجيا.
وفي عام 2012، دفعت شركة «ساني» 324 مليون يورو (375.8 مليون دولار) لشراء حصة 90% في شركة «بوتزميستر هولدينج جي إم بي إتش» الألمانية المختصة في صناعة المضخات.
كما قامت الشركة الصينية الكبرى ببناء أربعة مصانع ذكية منذ عام 2012، استجابة لدعوة السلطات في بكين للنهوض بحركة الصناعة في البلاد التي تعتمد أساساً على التكنولوجيا المتقدمة.
كما أثنى رئيس مجلس الدولة الصيني لي كيه تشيانغ في شهر يونيو الماضي على برنامج «ساني» لجمع البيانات من آلاف المعدات على بعد عشرات الآلاف من الأميال وتحليلها آنياً. كما تستخدم «ساني» المركبات ذاتية القيادة التي لا تحتاج إلى تدخل بشري في «ورشة العمل 18» لتوصيل المواد وقطع الغيار إلى عمال خطوط التجميع في المصنع.
وتملك شركة «ساني» منشأة أخرى على بعد 800 ميل شمال العاصمة الصينية بكين، تتزين جدرانها بأعلام تحمل شعارات ملهمة. يقول أحدها: «من أجل تحقيق حلم الصين، دعونا أولاً نحقق حلم ساني». وهناك يستخدم المهندسون الروبوتات في كل مراحل التصنيع تقريباً.
وداخل «ورشة العمل 18»، قال عمال هناك إن روبوتات اللحام التي تصنعها شركة «فانوك كورب» اليابانية مكنت العمال من تصميم جهاز حفر يمكنه العمل على مدار الساعة وفي ظروف قاسية.
ولدى «ساني» أعمال حفر في موقع للبناء بأقصى شمال العالم في روسيا، حيث تضرب حفاراتها قاع البحار في القطب الشمالي بحثاً عن الغاز الطبيعي.
والآن، يعمل المديرون التنفيذيون في «ساني» مع شركات التصنيع المحلية لتصميم روبوتات مخصصة لعمليات التصنيع المختلفة في كل مصنع.
وقد تلقت «ساني» إعانات مختلفة من الحكومة على مر السنين، كما تظهر الوثائق ذلك، ولكن الشركة نمت بشكل كبير من خلال أرباحها المعاد استثمارها، لتصبح ثامن أكبر مصنع في العالم لصناعة الآلات الثقيلة.
وعلى صعيد الاستثمار الداخلي في الصين، استحوذت «ساني» وشركات صينية أخرى على حصة سوقية من شركات أجنبية، مثل شركة «كاتربيلر» الأميركية الشهيرة للمعدات الثقيلة التي تتخذ من مدينة ديرفيلد بولاية إلينوي مقراً لها. وقد رفضت شركة «كاتربيلر» التعليق على هذا الأمر.
وتأثرت شركة «ساني» وغيرها من شركات تصنيع الماكينات والمعدات الثقيلة بوفرة الإنتاج بعد عام 2012، لأن الإنتاج الغزير الزائد على حاجة الأسواق هو نتيجة للخطط الاقتصادية التي تنتهجها السلطات في الصين، لكن مبيعات «ساني» بدأت في الانتعاش مرة أخرى العام الماضي.
على الصعيد العالمي، تمتلك شركة ساني حصة نسبتها 3.7% من سوق معدات الإنشاءات العالمية حسب ما يشير إليه حجم مبيعات الشركة، وذلك وفقاً للبيانات الواردة في نشرة التجارة الدولية لعام 2018 لشركة «يلو تايبل» للتحليلات المتعلقة بالاستثمارات، التي تستند إلى مسح سنوي لأفضل 50 شركة في العالم على مستوى الإنتاج والمبيعات. ووفقاً للنشرة قامت شركة «ساني» باستثمارات صغيرة في الولايات المتحدة، بما في ذلك مصنع بقيمة 60 مليون دولار في ولاية جورجيا. كما تركز «ساني» حالياً على اتباع خطة أخرى من خطط بكين، التي تستهدف الأسواق النامية في جنوب شرق ووسط قارة آسيا، وذلك عن طريق مد طرق برية لربط معظم دول تلك المنطقة بالصين مع دعم البنية التحتية في الدول الآسيوية ذات الكثافة السكانية الكبيرة التي سيمر من خلالها الطريق.
ويطلق على هذه الخطة مبادرة «الحزام والطريق» والتي من المنتظر أن تدعم الاقتصاد الصيني بشكل غير مسبوق، وكذلك اقتصاد دول عديدة في جنوب شرق ووسط آسيا.
وضمن الحملات الدعائية التي تنشرها «ساني» عبر الوسائط الإلكترونية المختلفة في الصين فيديو يستقبل الزوار الراغبين في الاطلاع على أحدث طرق التصنيع التي تنتهجها «ساني» داخل مصانعها. ويقول الفيديو «من دون الدعم الذي يقدمه الحزب، فإنه من الصعب تخيل نجاح ساني».

بقلم /‏ ناتاشا خان

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©