الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

قطرات الحياة.. لحظات فارقة تنقذ أطفال باكستان

قطرات الحياة.. لحظات فارقة تنقذ أطفال باكستان
24 أكتوبر 2019 01:53

سعيد الصوافي (أبوظبي)

لم يمنع جمال الطبيعة في مدينة الزهور بيشاور التي تعتبر واحدة من أقدم مدن جنوب آسيا في الشمال الغربي من باكستان، أن تحتضن أكثر حالات الإصابة المسجلة بشلل الأطفال في العالم، الأمر الذي يشكل تحدياً أمام المنظمات العالمية المشاركة في استئصال هذا المرض لبلوغ آخر ميل قبل فوات الأوان. ويعد الجهل، والتلوث، وهجرة العائلات إلى المناطق الحدودية .. الثالوث الأكبر المسؤول عن تسجيل حالات جديدة، إضافة إلى تحديات أخرى، تتمثل في قناعات غير حقيقية حول المطعوم نفسه المستخدم في عمليات التحصين ضد المرض. يضاف إلى ذلك، تحديات أمنية واجتماعية وبيئية، فيما يعد إقناع الآباء والأمهات بضرورة التطعيم أمراً غاية في الصعوبة، في ظل فتاوى لـ «حركة طالبان» تحرم تناوله بدعوى أنه مصنوع من شحوم الخنزير!. «طرق الأبواب».. سياسة انتهجها «فريق حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال»، ضمن «المشروع الإماراتي لمساعدة باكستان»، للتغلب على كل هذه التحديات، بهدف القضاء على المرض نهائياً بواسطة «قطرات الحياة» التي تحصّن الأطفال ضد الفيروس الخطير الذي يهدد مستقبلهم وحياتهم. بداية، نفذ الفريق حملة إعلامية اجتماعية لتحذير السكان من خطورة هذا الوباء، وتشجيعهم وحثهم على المبادرة بتطعيم أبنائهم ووقايتهم. في موازاة ذلك، تم تشكيل فرق متنقلة لإيصال اللقاحات وتغطية القرى النائية ومخيمات اللاجئين التي لا يستطيع سكانها الوصول إلى مراكز التطعيم الرئيسة الثابتة، حيث تعمل هذه الفرق ميدانياً في 103 مناطق صعبة في باكستان.
وما بين الدروب والجبال والسهول، الكثير من الحكايا والمشاهدات والممارسات التي رصدتها «الاتحاد» عبر فيديوهات خاصة مع عدد من أفراد الفرق المتنقلة.

تعتبر السيدة شغوفت بي بي التي تقوم بتدريس التربية الإسلامية، واحدة من بين 2145 من متطوعي الخطوط الأمامية المتنقلة في معركة مستقبل الأطفال ضمن فريق الحملة.
نجحت شغوفت في تطوير أسلوب فعال في مجتمع جهانكير بورا بمدينة بيشاور عاصمة إقليم خيبرختونخوا، لإقناع الأهالي بأهمية الحصول على اللقاحات للقضاء على شلل الأطفال.
تقول شغوفت في تصريحات أدلت بها لـ «الاتحاد» عبر الفيديو، حيث تعذر الوصول إليها لصعوبة المناطق التي تغطيها في بيشاور: «إن العديد من الأطفال وقع ضحية لهذا المرض العضال، لذلك خرجنا من أجلهم، نقطع مئات الأميال، لطرق الأبواب كافة لكسب ثقة الوالدين، وإقناعهم بأهمية اللقاحات لحماية أبنائهم ووقايتهم من الشلل».
وتضيف: «عندما نصل إليهم يعاملوننا بفظاظة، غير مكترثين بخطورة المرض، وفي المقابل، فإن ابتسامتنا تسبق كلماتنا التي نستخدمها من خلالها خطاب العقل، فنجد منهم الترحيب والتقبل، وأنا على يقين بأن هذه الحملة ستنقذ جميع الأطفال من هذا المرض».
«نجحت حملات التطعيم ضد شلل الأطفال في مناطق مثل جهانكير بورا، وغيرها بسبب جهود العاملين في الخطوط الأمامية»، تقول شغفته بي بي التي استطاعت رغم المصاعب والتحديات إكمال هدفها الإنساني، ومواجهة أي دعاية سلبية تضر بالحملة، وتضيف: «أسلوب طرق الأبواب ينقذ الكثير من الأطفال الذين أهملوا أو خبئوا في غرف مظلمة».

أسر تخفي أطفالها
أما زرمينا عمران التي بدأت العمل في برنامج القضاء على شلل الأطفال منذ عام 2008، فتحدثت عن كيفية الصعوبات التي واجهتها أثناء تغطيتها لمخيمات اللاجئين الأفغان الذين يعبرون الحدود للدخول إلى باكستان.
تقول عمران: «أتذكر كيف أطلق البعض كلابهم علينا حتى نهرب»، مضيفة: «قلة التعليم، والجهل في المجتمع، جعلا من الصعب للغاية التعرف على عدد أفراد الأسر التي تقوم بإخفاء أطفالها عندما تقترب منهم فرق التطعيم ضد المرض، ما يضطرنا إلى العودة مراراً وتكراراً لعلنا نعثر من بين الأطفال الذين يلعبون خارج تلك المخيمات على وجوه جديدة».
وعلى الرغم من كل تلك التحديات، تعتقد زرمينا أن العمل الجماعي والتفاني يمكن أن يساعدا باكستان في التغلب على هذا المرض، فمتابعة حركة اللاجئين وأطفالهم وعائلاتهم، وجمع البيانات المتعلقة بهم وتحديثها، عملية مهمة للغاية لبرنامج القضاء عليه، حيث تولت هذه المسؤولية في مهامها الميدانية لتلبية احتياجات البرنامج بشكل كاف.

أسلوب جديد
أما السيدة رخسانة بي بي التي عملت في منطقة سوات بإقليم خيبربختونخوا بعد أن تم تطهيرها من حركة طالبان، فانتهجت أسلوباً فريداً في العمل الميداني لمواجهة التحديات وإقناع سكان المنطقة الذين يشككون في أهداف الحملة ويبدون تردداً في تلقيح أطفالهم، إذ تحول إلى غضب عارم بعد أن فرضت جماعة طالبان حظراً ضد اللقاح في جميع أنحاء المنطقة.
تحكي رخسانة: «اعتاد الأهالي خلق قصص وروايات غريبة عن حملات التطعيم وصلت إلى حد التحريم، واعتقاد أن اللقاح مستخرج من حيوانات محرمة كالخنزير، وغيرها الكثير من الإشاعات التي أثرت على عملنا، إلا أن ذلك لم يمنعنا من مواصلة طرق الأبواب لتحقيق الهدف المنشود من الحملة».

طريق الأمل
مواجهات عنيفة خاضتها السيدة نسين باتراس للعمل في حملات التطعيم، حيث اعترض كل من أسرتها وزوجها على خروجها للعمل، كما هو الحال في المجتمع الباكستاني المحافظ، والذي لا يسمح للنساء بالخروج لكسب الرزق.
وسرعان ما تلاشت الاعتراضات، لتسير باتراس في طريق الأمل لمساعدة أطفال باكستان، عبر التواصل الإيجابي مع الآباء الرافضين تطعيم أبنائهم.
يوضح عبدالله الغفلي، مدير المشروع الإماراتي لمساعدة باكستان، لـ «الاتحاد» أن حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال في جمهورية باكستان الإسلامية استهدفت 71 مليون طفل منذ انطلاقها قبل خمس سنوات.
ويقول: «استطعنا، حتى اليوم، تقديم 419 مليون جرعة تطعيم في مختلف المناطق»، منوهاً إلى أن الجهود الميدانية لتنفيذ حملات التطعيم في مختلف الأقاليم، تتم بمشاركة أكثر من 106 آلاف شخص من الأطباء والمراقبين وأعضاء فرق التطعيم، وأكثر من 25 ألف من أفراد الحماية والأمن وفرق الإدارة والتنسيق.
ويبين أن هذه الحملات نفذت بالتنسيق والتعاون المشترك مع قيادة الجيش الباكستاني ومنظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الباكستانية ووزارات الصحة في حكومات الأقاليم ومؤسسة بيل ومليندا غيتس، حيث حرصت جميع الجهات المشاركة على تعزيز نجاح جهود الحملة، ودعم جهود فرق التطعيم والتأمين، وتخطيط وتنظيم عمليات إعطاء اللقاحات للأطفال المستهدفين، ومتابعة التنفيذ الميداني لمراحل الحملة.
ويصف مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لاستئصال مرض شلل الأطفال في العالم، بأنها إحدى المبادرات الإنسانية الرائدة والمتميزة في دعم الجهود العالمية لاستئصال المرض، والتقليل من حالات الإصابة به بنسبة كبيرة في الدول المستهدفة بالمبادرة.
ويضيف أن هذا المشروع يمثل ترجمة ميدانية لتوجيهات القيادة الرشيدة بتعزيز الجهود العالمية الرامية للحد من انتشار الأوبئة، والوقاية من التداعيات الصحية السلبية التي يعانيها الأطفال منها، وهي دليل على التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالنهج والمبادئ الإنسانية لمساعدة الشعوب المحتاجة والفقيرة، وتطوير برامج التنمية البشرية، ودعم الجهود الدولية وبرامج هيئة الأمم المتحدة لوقاية المجتمعات من الأمراض والأوبئة والأزمات والكوارث، والاهتمام بسلامة صحة الإنسان وفئة الأطفال المحتاجين للرعاية الصحية الوقائية في مختلف دول العالم.
كما أن الأقاليم والمناطق الباكستانية التي تنفذ فيها حملة الإمارات للتطعيم تصنف في خطط المنظمات الدولية بأنها مناطق ذات أهمية عالية في الجهود العالمية للقضاء على شلل الأطفال، وبخاصة أنها تحتضن أكثر حالات الإصابة المسجلة بالمرض في العالم خلال الأعوام الماضية، وقد ساهم النجاح الكبير الذي حققته حملة الإمارات للتطعيم في هذه المناطق والأقاليم بانخفاض نسبة وأعداد المصابين بفيروس شلل الأطفال في باكستان.

ماذا نعرف عن المرض؟
• يصيب الأطفال دون سن الخامسة بالدرجة الأولى
• تؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال
• انخفاض حالات الإصابة بشلل الأطفال بمعدل 99% منذ عام 1988، من نحو 000 350 حالة سُجّلت في ذلك العام إلى 33 حالة أبلغ عنها في عام 2018، ويأتي هذا الانخفاض نتيجة ما يُبذل من جهود على الصعيد العالمي من أجل استئصال المرض.
• طالما يوجد طفل واحد مصاب بعدوى فيروس الشلل، فإن الأطفال في جميع البلدان معرضون لخطر الإصابة بالمرض، وقد يسفر الفشل في استئصال شلل الأطفال من هذه المعاقل العتيدة التي لا تزال موبوءة به عن الإصابة بنحو 000 200 حالة جديدة تعم أرجاء العالم في غضون عشر سنوات.
• في معظم البلدان أتاحت الجهود العالمية لاستئصال شلل الأطفال المجال لزيادة القدرة على التصدي لأمراض معدية أخرى من خلال بناء نُظم فعالة في مجالي الترصد والتمنيع.

دعم محمد بن زايد
لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، نهج ورؤية إنسانية، تجاه حماية صحة شعوب العالم، وتعزيز الجهود الدولية لاستئصال الأمراض المعدية والقاتلة، ومنها شلل الأطفال، ودودة غينيا، والملاريا، وغيرها من الأمراض الأخرى.
وتعتبر المبادرات والدعم السخي الذي يقدمه سموه لمختلف البرامج، والجهود العالمية المبذولة للقضاء على الأمراض واستئصالها، من العوامل الأساسية التي تستند إليها الكثير من المنظمات والدول الفقيرة في الوصول إلى غاياتها، وتحقيق أهدافها بحماية الشعوب والأطفال الأبرياء من الأمراض التي تهدد صحتهم ومستقبلهم، ودرء المخاطر عن كاهل الضعفاء.
وبحسب المشروع الإماراتي لمساعدة باكستان، فإنه ومنذ عام 2011، بلغت قيمة تبرعات سموه لدعم جهود الصحة العالمية 310 ملايين دولار، خصص منها مبلغ 167.8 مليون دولار، دعماً لجهود استئصال مرض شلل الأطفال، إضافة إلى مساهمات أخرى لمصلحة التحالف العالمي للقاحات والتحصين.
وتأتي مساهمات سموه في إطار النهج الإنساني للدولة في التعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بتوفير الخدمات الإنسانية والصحية للمجتمعات والشعوب المحتاجة وتقديم المساعدات لهم، ودعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال والتقليل من حالات الإصابة به بنسبة كبيرة في الدول المستهدفة بالمبادرة، وهي جمهورية باكستان الإسلامية، وجمهورية أفغانستان الإسلامية.
أما في جانب مكافحة الأمراض الأخرى ودعم الجهود والبرامج الدولية للقضاء عليها، فقد خصص سموه 30 مليون دولار لدعم جهود القضاء على مرض الملاريا، إضافة إلى التزام من سموه بتقديم 5 ملايين دولار كمنحة جديدة لدعم برنامج «شراكة دحر الملاريا» على مدى 3 سنوات مقبلة، كما قدم سموه منحة أخرى بقيمة 5 ملايين دولار لمركز كارتر، لدعم جهود القضاء على مرض دودة غينيا.
وفي إطار دعم الجهود الإنسانية والتنموية والصحية للدول والمجتمعات المحتاجة، أطلق سموه، صندوق «بلوغ آخر ميل» لجمع 100 مليون دولار، إذ يهدف الصندوق الذي أطلق تحت شعار «بلوغ آخر ميل.. العمل معاً من أجل القضاء على الأمراض المعدية»، إلى القضاء والسيطرة على الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها، والتي تعيق آفاق التنمية الصحية والاقتصادية في المجتمعات الأكثر فقراً حول العالم، ويتكامل مع الجهود الدولية الرامية إلى تخليص العالم من الأمراض الفتاكة التي لا تزال تسبب الإعاقة للملايين من الناس، وتعيق مسيرة التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، في كثير من المجتمعات والدول الفقيرة.

القرار
في عام 1988، اعتمدت جمعية الصحة العالمية الحادية والأربعون قراراً باستئصال شلل الأطفال في جميع أنحاء العالم. وقد أدى ذلك إلى إطلاق المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، وجاء إطلاق المبادرة، عقب الإشهاد الرسمي على استئصال الجدري في عام 1980، والتقدم المحرز خلال الثمانينيات صوب التخلّص من فيروس شلل الأطفال في الأميركتين.
وحالما يتم القضاء على شلل الأطفال، يمكن للعالم الاحتفال بالنجاح في إيصال منفعة عالمية عامة كبرى يستفيد منها جميع الناس على قدم المساواة، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه.

فيروس يغزو الجهاز العصبي
شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى، يغزو الجهاز العصبي، وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات من الزمن، ينتقل الفيروس عن طريق الانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسة عن طريق البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام) ويتكاثر في الأمعاء، وتتمثّل أعراض المرض الأوّلية في الحمى والتعب والصداع والتقيّؤ وتصلّب الرقبة والشعور بألم في الأطراف، وتؤدي حالة واحدة من أصل 200 حالة عدوى بالمرض إلى شلل عضال، ويلاقي ما يتراوح بين 5% و10% من المصابين بالشلل حتفهم بسبب توقّف عضلاتهم التنفسية عن أداء وظائفها. وإلى الآن لا يوجد علاج لشلل الأطفال، ولكن يمكن الوقاية منه عبر لقاح الشلل الذي يعطى على دفعات متعددة للطفل ليقيه من شر المرض مدى الحياة.

الدولتان التحدي
عندما أعلنت جمعية الصحة العالمية التزامها بالقضاء على شلل الأطفال عام 1988، وعند تأسيس المبادرة العالمية لاستئصال هذا المرض، كان هناك 350 ألف حالة سنوياً مصابة بهذا الفيروس البري في 125 دولة، إلا أنه بحلول عام 2018 تم القضاء على المرض ما عدا في دولتين متجاورتين هما (باكستان وأفغانستان). ويمثل التحدي الأساسي في بلوغ الميل الأخير لاستئصال شلل الأطفال البري، في عدم القدرة على الوصول إلى بعض الأطفال لإعطائهم اللقاحات، نتيجة انعدام الأمن والنزاعات، وضعف الأنظمة الصحية، بجانب المخاطر المتعلقة بالتشغيل والإدارة والموارد.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©