الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مستوى التربية والتعليم أساس بناء التكوين الفطري عند الإنسان

21 يوليو 2011 19:34
إن كثيراً من مظاهر الفتن والغلو لأحسبها راجعة إلى ما تلقاه الإنسان من تكوين تربوي وثقافي مدة حياته بجانب ما تختص به نفسه وحالته، وهو ما يقره القرآن الكريم كما الواقع والعقل، فالله عز وجل خلقنا على جهل تام، حيث يقول تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) “النحل من آية، 79”، وهذا يعني أن المعلومات والمعارف يكتسبها الإنسان من خلال التقليد والتعلم والتجربة، فيقوده ذلك إلى تصرفات وأفعال يرتكز فيها على ما اكتسبه وتعلمه، فكأن العقل الإنساني وعاء تملأ فيه الأفكار التي قد تكون سمحة واقعية متوازنة أو قد تكون متطرفة وعنيفة، ومن ثم فإن مستوى التربية والتعليم هو أساس البناء أو تثبيت التكوين الفطري عند الإنسان، حيث إن أخطر الأسباب التي تقود إلى الغلو هو التربية المغشوشة المتعلقة بالجهل المطبق بأحكام الدين، وهذا يربي الإنسان على مواقف وأفكار على غير ما هو مطلوب شرعاً، فتستغل عواطفه على نحو متطرف، وتجد انفعالاً كبيراً ومندفعاً مبنياً على غير أساس. سبب التطرف والعلم المقصود هنا هو العلم المعتبر شرعاً، وهو العلم الباعث على العمل، الذي لا يخلي صاحبه جارياً مع هواه كيفما كان، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعاً أو كرهاً، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “كن عالما أو متعلماً أو مجالساً ولا تكن الرابعة فتهلك”، والرابعة هي الجهل الذي هو أكبر سبب للتطرف والإرهاب، ومظهر من مظاهر الحركة والعمل، ولهذا نجد نصوصاً كثيرة تحث الإنسان على التعلم السليم واختيار المعلم النافع المفيد، ومنه حديث: “... أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ...”(- أبو داود)، ونحن نقول: إن سألوا - أي المغالون - فهم يسألون - للأسف - أناساً معينين يعتبرونهم أعلم الناس، وهم في الحقيقة متطاولون على العلم وبعيدون عنه، أو على الأقل يفتقدون إلى النضج العلمي اللازم، ويندرج ذلك في القول في دين الله بغير علم؛ والإسلام قد حذر من التحدث بغير علم، وحسبنا قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) “النحل، آية: 116”. وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة كما يمثله الغلو الفكري يأتي نتيجة الجهل بأحكام الدين وبالتعاطي مع نصوص الوحي والشرع، والتربية الدينية المغشوشة والخاطئة، نعم إنه الفشل والخراب بعينه بسبب تبوئهم لمكانة الإفتاء والتنظير بدون وجه حق، فصدق قول ابن مسعود رضي الله عنه: “لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا”، (الطبراني). الواقع المعاصر وهذا ما يؤكده واقعنا المعاصر الذي نجد فيه تطفلاً واضحاً وتنطعاً بينا من بعض الشباب على أمور سال من أجلها كثير من المداد في تحريرها وتحليلها، وسهر عليها جهابذة من أهل العلم، فأصبحنا أمام بلوى عظيمة وهي الهلاك بعينه الذي أنذر به قول ابن مسعود رضي الله عنه السابق، وفي نفس سياق التحذير والترهيب. روى أميمةُ الجمحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر” (الطبراني)، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهذا ما يؤكده الحال اليوم للأسف، حيث قادة الغلو المعروفين لم يتتلمذوا على العلماء، بل ولم يتخرجوا حتى من الجامعات الإسلامية، فمعظم علمهم أُخِذ من أشرطة أو كتيبات تفتقد إلى كثير من الدقة والموضوعية، والغريب أن هؤلاء معجبون بأنفسهم إعجاباً شديداً ومتصفون بأنانية مغرورة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “الْـمُهْلِكَاتُ ثَلاثٌ: ِإعْجَابُ الْـمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبِعٌ” (مسند البزار). وهذا الجهل والتدين الخاطئ يرتب آثاراً كبيرة تعود بالسلب والخراب على المجتمعات ويزكي من تلكم الآثار لتحدث عمقاً كبيراً أمام عدم وجود ما يكفي من الخطاب الديني المقنع من قبل أهل العلم الراسخين الذين يعتمدون المنهج الوسطي المعتدل، الذي يخاطب العقل ويراعي مقتضيات العصر، ويحترم الأنظار المختلفة والرؤى المتباينة والمتعددة، ولا شك أن هذا تقصير واضح يجب تفاديه وتداركه، باعتبار أهل العلم هم أهل الذكر، يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون) “النحل، 43 - 44”. الخطاب المقنع إن المنحرف ما تطرف إلا بالاعتماد على خطاب مس إحساسه وشعوره فأقنعه فتشبث به بعد ذلك، رغم مجانبته للصواب والحق وفق مراد الله عز وجل، وهذا يعني ضرورة اعتماد خطاب مقنع يقابل الخطاب العنيف والمتطرف، مع وجوب انتشاره وذيوعه ليأخذ طريقه إلى قلوب وعقول الناس بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم. وهذا يستدعي تدخلاً من كل المعنيين من العلماء والمفكرين وعلماء الاجتماع والنفس... فلنتأمل هذه الآية الكريمة يقول الله عز وجل: (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون) “آل عمران، 187”. قال قتادة في الآية: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم علماً فليعلمه الناس، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة، وعن الحسن البصري: لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم، ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه”.وبهذا نختم مقالنا للإشارة إلى قيمة العلم وأهميته في قلب التدين المغشوش إلى تدين معتدل ووسطي. د. محمد قراط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©