الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«انزياح المركزية الغربية».. إحاطة سوسيولوجية بمفكّري ما بعد الكولونيالية

«انزياح المركزية الغربية».. إحاطة سوسيولوجية بمفكّري ما بعد الكولونيالية
9 ديسمبر 2019 01:19

الاتحاد (خاص)

من بين الإصدارات المهمة التي تفاجئنا بها مؤسّسة الفكر العربي بين حين وآخر، كِتاب صدر مؤخراً، تحت عنوان «انزياح المركزية الغربية. نقد الحداثة لدى مثقّفي ما بعد الكولونيالية الصينيّين والعرب والهنود»، من تأليف الباحث الفرنسي توماس بريسّون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الثامنة، وترجمة الدكتور جان ماجد جبّور.
يعالج الكتاب مسألة استمرار المركزية السياسية والفكرية للغرب، ويتساءل الكاتب في المقدمة: كيف يحصل أنه بعد عقودٍ عدّة من نهاية الإمبراطوريات الاستعمارية، لا يزال عالَمنا يعتمد على المعارِف التي تمّ تعميمها أصلاً لترسيخ أقدام الفتوحات الإمبريالية؟ لماذا لم يترافق إنهاء الاستعمار السياسي مع إنهاء الاستعمار العلمي، ممّا يُسهم مجدّداً في تعدّد مراكز إشعاع عالم الفكر؟ ويرى أن الإجابة عن هذه الأسئلة، تمّت من خلال إطلاق أطر بحثية وسياسية عدّة، من بينها: «الكونفوشيوسية الجديدة» التي بدأت في مطلع القرن العشرين في آسيا، ثم أُعيد إحياؤها عند منعطف السبعينيات والثمانينيات من قبل باحثين أميركيين ينحدرون من أصولٍ صينية، و«دراسات ما بعد الكولونيالية»، وهي ثمرة التعاون بين مفكّرين عرب وهنود يعملون كذلك في جامعات أميركا الشمالية.
ويشير الكاتب إلى أن العديد من الباحثين الهنود قد طرحوا منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، أُسُس تفكير نقدي، تأريخي ونظري، حول إرث الحداثة الغربية، مُسلّطين الضوء على التباس الفضاء المفاهيمي الذي وضعه الاستعمار بين أيدي الهنود، للتفكير في واقع خضوعهم للهَيمنة. تمحورت عمليات التفكير هذه حول مشروع تفكيك هذه الهيمنة بالذات، من خلال رفض ادّعاءات الغرب بمشروعيّته العالمية. لافتاً إلى أن مسألة العلاقة بين الهيمنة السياسية والهيمنة الفكرية قد طُرِحت في الوقت نفسه من قبل مثقّفين عرب أثناء النقاش الذي دار حول الاستشراق، والذي انطلق مع صدور كتاب إدوارد سعيد الذي حمل العنوان نفسه: «الاستشراق». وقد اتجهت عمليات تفكير المثقفين الهنود والعرب نحو السعي لإيجاد طرائق معرفية متعدّدة خارج أطر الغرب، وتلاقت بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بفضل التحاق هؤلاء للعمل في الجامعات الأنغلوسكسونية وانتشار نصوصهم (المكتوبة باللغة الإنجليزية)، مما أعطى لنقدهم بُعداً عالمياً.
ينقسم الكتاب إلى جزءين: الجزء الأوّل هو «الكونفوشيوسية الجديدة، حداثة آسيوية في أميركا»، ويتحدث عن أصول الكونفوشيوسية الأميركية وكيفية انهيار وإعادة بناء الكونفوشيوسية في العصر الحديث، والكونفوشيوسية والحداثة الآسيوية والتغييرات الاجتماعية، وحقوق الإنسان باعتبارها نقطة تحوّل سياسية للكونفوشيوسية الجديدة.
أما الجزء الثاني فحمل عنوان «نظرة جديدة على العوالِم غير الغربية: مثقفون عرب وهنود في الولايات المتّحدة»، ويدرس قضايا الاستمرارية والقطيعة في النقد العربي، وكتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، و«دراسات التابع» الهندية و«المنعطف السعيدي» ومشروعات التأريخ البديلة.
من هنا، فإنّ الكتاب هو أكثر من مجرَّد رسم خريطة للأفكار التي تكوّنت في مرحلة ما بعد الاستعمار، بل هو يقترح إحاطة سوسيولوجية بالمفكّرين الرئيسين لهذه الحقبة، ويبيّن بشكل خاصّ تأثير المنفى في نتاجهم الفكري.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©