الأحد 19 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

100 مليون طفل عربي.. «كنوز الكرة ثروات مهدرة»!

100 مليون طفل عربي.. «كنوز الكرة ثروات مهدرة»!
10 ديسمبر 2019 00:05

الحكايات لا تعد ولا تحصى عن عشق الملايين لكرة القدم، التي يمارسونها في الشوارع والحارات، وهناك صورة جسدت ذلك، وانتقلت من أرض الواقع إلى مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا»، وكان لها رد فعل كبير، من خلال دورة رياضية بقرية بني شبل في مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، حيث تجمع جمهور يزيد على 30 ألف متفرج من كل القرى المجاورة، والتفوا حول ملعب صغير، حتى يتابعوا مباراة النجوم، في افتتاح الدورة التي شارك فيها 32 قرية، والتي حضرها عدد من اللاعبين القدامى، أمثال طارق يحيي لاعب الزمالك السابق وعبدالستار صبري لاعب المقاولون العرب السابق، وأحمد ناجي، المدرب السابق لحراس المرمى بالمنتخب القومي، وسامي الشيشيني، نجم منتخب مصر ونادي الزمالك السابق.
ولم تكن الحكاية في النجوم، بل في مجموعة الشباب الذين حولوا مكاناً لجمع المخلفات على مقربة من مقابر القرية إلى ملعب صغير يجمع الصغار والكبار، وجسدت الصورة واقع كرة القدم المصرية وأيضاً العربية التي تحاول فيها المواهب البحث عن «ثقب الإبرة» للخروج إلى النور.
ولا يختلف المشهد في شوارع فلسطين، فلا يكاد يخلو شارع من مشهد الأطفال وهم يلعبون كرة القدم، في الأراضي الفارغة أو أمام الساحات الرملية للبيوت التي دمرتها الحرب الأخيرة، خاصة في قطاع غزة، والتي تسببت بتدمير 30 منشأة رياضية بشكل كامل، وقتل الرياضيين وتجاوزت الخسائر 3 ملايين دولار، وفق إحصائية لوزارة الرياضة الفلسطينية، ورغم التهديد المستمر للأطفال من الغارات الإسرائيلية إلا أنهم لم يتوقفوا عن اللعب.
وفي سوريا التي تعيش واقع الحرب الأليم، يطلق على ملعب الرشيد بمدينة الرقة، شمالي شرقي سوريا «الملعب المقبرة»، بعد اكتشاف 553 جثة في مقبرة جماعية، واستخرجت الفرق المحلية أكثر من 2500 جثة من مقابر جماعية في الرقة، منذ خروج تنظيم «داعش» الإرهابي منها 2018. وتكمن أهمية ملعب الرشيد، كونه في وسط المدينة، إذ طالب الرياضيون في المدينة بإعادة تأهيله، لأنه يشغل ألعاباً للفرق الشعبية، خاصة كرة القدم، وهو ما حدث في أماكن كثيرة في أنحاء سوريا.
وسط القبور والمناطق الفقيرة، تنتشر الملاعب ليس فقط في الأماكن المزدحمة في القاهرة وضواحيها وفي مدن سوريا، بل الأمر يمتد إلى كل أرجاء الوطن العربي، حيث يبحث الصغار والكبار عن الأماكن التي تصلح للعب، حتى لو كانت بجوار المقابر، بل تحول الأمر إلى أن هذه الملاعب تمثل واقع الكرة العربية التي تعاني الإهمال للأجيال الجديدة، خاصة المواهب منها التي تختفي وتموت وسط صرخات لا تنتهي بضرورة الاهتمام بها.
والمثير في الأمر أن الكرة العربية، التي دخلت المقابر أمام أعين المسؤولين الذين يمثلون جزءاً من مجتمع الرياضة العربية، وتبقى المبادرات والتحركات ضعيفة للغاية، ولا يحدث من منشآت وملاعب لا يكفي لممارسة كرة القدم بـ3% من سكان الوطن العربي الذي يصل تعداده إلى 400 مليون نسمة.

10 فعاليات من أرض الإمارات
لأن أيام الفرجان ذهبت ولن تعود، وتبقى مجرد ذكريات، ما بين الحنين إلى زمن البدايات، والحسرة على اختفاء الملاعب «منجم المواهب»، فإن المحاولات لا زالت مستمرة، والشاشة ليست مظلمة، بل هناك أمل في خروج المواهب إلى النور بطريقة أو بأخرى، من خلال المبادرات على أرض الإمارات، والتي شهدت في السنوات الأخيرة سيلاً من بطولات الصغار، عبر منصات رسمية، سواء أندية أو مجالس رياضية، بالإضافة إلى المبادرات التي أطلقتها القيادة الرشيدة، والتي تدل عن اهتمام كبير، ويأتي في مقدمتها اليوم الرياضي الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تحت شعار «الإمارات تجمعنا»، وأيضاً الأولمبياد المدرسي الذي تنظمه اللجنة الأولمبية الوطنية سنوياً.
وتأتي مبادرة سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس مجلس دبي الرياضي، باعتماد «وسام حمدان بن محمد للمدارس التعليمية الرياضية» للمدارس التي تتبنى نهج الاهتمام بالرياضة، وتوفير سبل ممارسة الطلبة للرياضة، واكتشاف وتنمية المواهب الرياضية، بجانب دورة حمدان بن محمد للألعاب المدرسية التي شارك فيها 9685 طالباً وطالبة.
وهناك ما يقارب 10 بطولات للمراحل السنية، ما بين بطولات محلية ودولية، منها بطولة هزاع بن زايد الدولية لكرة القدم للناشئين تحت 16 عاماً التي وصلت للنسخة العاشرة، والدورة الصيفية التاسعة لأكاديميات كرة القدم التي ينظمها مجلس دبي الرياضي، للعام التاسع على التوالي، في ملاعب وأندية وشركات كرة القدم بدبي، وشارك في النسخة الأخيرة 760 لاعباً، يمثلون 29 فريقاً، في 5 فئات عمرية هي: فئة 12 سنة، وفئة 13 سنة، وفئة 14 سنة، وفئة 16 سنة، وفئة 17 سنة.
وتنضم بطولة دبي الدولية لكرة القدم تحت 16 سنة، بمشاركة 8 فرق عالمية ومحلية، ووصلت إلى النسخة التاسعة، إلى قائمة المبادرات، وهي البطولة التي أقيمت نسخها الثماني الماضية، تحت اسم بطولة حمدان بن محمد الدولية تحت 16 سنة، وبطولة «كأس دبي للقارات لكرة القدم للناشئين تحت 13 سنة»، ويشارك فيها ما يزيد على 20 فريقاً عالمياً وعربياً ومحلياً، ووصلت إلى النسخة الثانية، وكأس دانون لكرة القدم، بطولة كأس زايد الدولية للناشئين لكرة القدم تحت 15 سنة، وبطولة الشارقة الدولية للناشئين لكرة القدم التي وصلت إلى النسخة الثالثة.
ومؤخراً، تم إطلاق دوري أبطال مدارس أبوظبي، بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم، ودائرة التعليم والمعرفة، ومن المتوقع مشاركة ما يقارب 250 مدرسة، من أصل 411 مدرسة، في أبوظبي.
تبنت الإمارات مبادرة «حصة الألعاب»، في مجلس التعاون الخليجي عام 2015، وهي المبادرة التي أطلقها سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، وهو ما يؤكد أن الإمارات وصلت إلى مرحلة نشر الرياضة خارج الحدود بأفكار جديدة.

الموهبة وهرمون السعادة وجهان لـ «عملة واحدة»، وعندما تريد أن تكتشف موهبة طفل صغير رياضياً، عليك أن تتركه يلعب كل الألعاب، وتترك الفرصة لجسمه، كي يفرز هرمون «السيروتونين»، والذي يأتي بالاستمتاع باللعبة المحببة له، وننتظر إبداعه، وهو ما تؤكده الدراسات العالمية في علم النفس والسيكولوجيا، وأيضاً خبراء التدريب الرياضي، وأشارت دراسة قام بها الدكتور البريطاني «مايكل هاو» طبيب نفسي في جامعة إكستر بإنجلترا، إلى أن التفوق في رياضة كرة القدم لا يعود إلى مواهب يولد بها اللاعبون، وإنما إلى مهارات يكتسبها الأطفال في الصغر.
وطبقاً للإحصائيات يصل عدد سكان الوطن العربي إلى نحو 400 مليون نسمة، من بينها 34%، منهم ما دون الخامسة عشرة، وهو ما يعني أن هناك حوالي 100 مليون طفل على الأقل، من بينهم 40 مليوناً في سن المدرسة، يجدون صعوبة كبيرة في إفراز الجسم لـ «هرمونات السعادة» الذي يحتاج إليه أي شخص حتى يواصل حياته، ويرى علماء النفس أن ممارسة الرياضة، هي الطريق الوحيد لإفراز «هرمون السعادة»، نظراً لأنه يفرغ طاقة الطفل في ألعاب محببة إليه، وطبقاً للإحصائيات فإن نسبة 3% فقط من الأطفال العرب يمارسون الرياضة.
ولعل الطريق الوحيد الذي يساعد أطفالنا على إفراز هرمون السعادة، والكشف عن موهبتهم من خلال الخروج للحواري والفرجان، من أجل اللعب وتفريغ الشحنات السالبة، من دون رقابة من الأسر التي تمثل عقبة كبيرة في مجتمعنا لفتح المجال أمام الصغار للكشف عن موهبتهم من دون قصد من خلال السلوكيات المرفوضة في التربية، وأيضاً المدارس التي لا توفر الحدود الدنيا من ممارسة الرياضة، بعدما أصبحت «حصة الألعاب» لا قيمة لها، في ظل غياب الملاعب.
وتؤكد الفقرة الثالثة من المادة الأولى للميثاق الدولي للتربية البدنية والرياضية الذي صدر عام 1978، حق الطفل في ممارسة الرياضة، وجاء فيه: «ينبغي توفير ظروف خاصة للنشء، بمن فيهم الأطفال في سن ما قبل المدرسة وللمتقدمين في السن والمعاقين، وذلك لمساعدتهم على تنمية شخصياتهم، تنمية متكاملة عن طريق برامج التربية البدنية التي تناسب احتياجاته العقلية».
ويغيب الطفل العربي عن الميثاق الدولي، من خلال الظروف التي يمر بها من أحداث مختلفة وفقر وظروف صعبة، تضعه بعيداً عن تحقيق طموحاته وإبراز موهبته، حتى عندما اعتمد المكتب التنفيذي لرؤساء اللجان الأولمبية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عام 2015 عاماً للرياضة المدرسية الخليجية، من أجل تفعيل دور الرياضة في المدارس، لكونها اللبنة والحاضنة التي تطلق المواهب والخامات والعناصر الجيدة التي تملك مقومات البطولة، إلا أن القرار لم يلق أي قبول في التطبيق في المدارس، ولم نشعر بأن هذا العام هو عام الرياضة المدرسية، ولم يتم تطبيق الحصة الرياضية المدرسية، وتحولت القرارات إلى «حبر على ورق».
عفواً.. الفرجان والحواري والسكك والشعبية كانت الطريق لأجيال حققت المستحيل، وقادت الكرة العربية إلى الصدارة، وتبقى الأجيال الجديدة بحاجة إلى فرصة من الباب الواسع تحت مظلة رسمية من خلال توفير كل الدعم للمواهب مجاناً.

الأزمة الحقيقية.. «الكشافون ينقرضون»!
هل تذكرون «الكشاف»، ذلك الرجل الذي كان يجلس على كرسي، في ركن من أركان الملعب المخطط بـ«الجير»، بينما الجميع يجلس على الأرض، لمتابعة مباريات الصغار في الحواري والشوارع، ويتفاعل جمهور الحضور معه أكثر من الملعب، وهم يهتفون باسم اللاعب «الحريف» الذي يراوغ ويهوى تسجيل الأهداف، لدرجة أن بعض اللاعبين كان يصطحب كل أصدقائه، من أجل تشجيعه والهتاف له مع كل كرة، للفت الأنظار إليه.
كانت هناك أسماء مشهورة في عالمنا العربي لهؤلاء الكشافين، الذين كانوا وراء انتقال عدد كبير من اللاعبين من الحواري إلى الأندية، والأحلام الكبيرة، وأطلق عليه «كشاف النجوم»، وهؤلاء الكشافون انقرضوا، ولم يعد في حوارينا من يتابع ويكتشف موهبة ويقودها إلى المجد، ومن أشهر كشافي اللاعبين في مصر والوطن العربي «عبده البقال» الذي كان يجوب الشوارع والحواري، ليشاهد المباريات، ويضع عينيه على اللاعب المميز، وإحضاره إلى النادي الأهلي، الذي كان يعشقه، وبالفعل هو السبب في وجود أساطير صنعوا تاريخ «الشياطين»، مثل صالح سليم، وثابت البطل، وطه إسماعيل، وعبدالعزيز عبدالشافي، وغيرهم ممن صنعوا الأمجاد.
انتهى زمن الكشاف، وأصبح كأنه «عملة رديئة»، مع وجود الكثير من الأساليب التي تبحث بها الأندية عن اللاعب ليس شرطاً أن يكون موهوباً، بل لجأت الأندية الكبيرة إلى شراء اللاعب الجاهز، الذي يبرز في الأندية الصغيرة دون أن تتحمل نفقات تربية الصغار.
ومع اختفاء دور «الكشاف»، تناقص دور المدارس أيضاً في التوقيت نفسه، واختفت حصة التربية الرياضية التي كانت تكشف عن مواهب كبيرة بين تلاميذ المدارس، سواء في وجود كشاف يمر على المدارس، أو أمام مدرس التربية الرياضية نفسه، والذي كان مؤهلاً للكشف عن قيمة اللاعب الموهوب وتوجيهه للسير في الطريق الصحيح، وذلك في ظل الاهتمام ببناء «الكتل الإسمنتية» على حساب الملاعب الخضراء.
كما تلجأ بعض الأندية لإقامة مهرجانات لعمل اختبارات للصغار، وهو ما تحول إلى «بيزنس»، حيث يبيع النادي الاستمارة بمبلغ مالي كبير، في ظل الكثافة العددية والأعداد التي تبحث عن «ثقب إبرة» للعبور إلى النجومية، وهو الحلم الذي يتحول دائماً إلى أوهام يعيشها الصغار لفترة، بعدها ينصرفون عن كرة القدم وتتحول هواياتهم إلى وقت فراغ ليس أكثر.
ويؤكد سعيد الشيشيني، نجم المقاولون العرب السابق، وصاحب الفضل الأول في تخريج محمد صلاح ومحمد النني من قطاع الناشئين بالنادي، أنه للأسف الشديد أصبحت الأكاديميات المتخصصة في كرة القدم، هدفها الأول، هو العائد المادي والربح، بعيداً عن هدفها الأساسي، وهو تنمية مواهب الأطفال والأشبال وتعليمهم كرة القدم، وترشيح أفضل العناصر للعب في أندية أخرى.
وقال: «لا توجد موهبة خرجت منذ سنوات من أي أكاديمية، وأفضل المواهب جاءت من قطاعات الناشئين بالأندية، وهو ما حدث مع محمد صلاح نجم ليفربول ومحمد النني، حيث اُكتشفت موهبتهما في قطاع الناشئين وترشحا للعب في صفوف الفريق الأول بفريق المقاولون في عمر مبكر، ما جعلهما يحترفان مبكراً».
وكشف نجم المقاولون العرب عن أن «دوري الحواري» أحد أهم الروافد، بل من الممكن أن يكون الوحيد لإخراج المواهب، وقال: «كان هناك عدد كبير يصل إلى مئات الكشافين يجوبون شوارع مصر وحواريها طوال السنوات الماضية، لمتابعة أفضل المواهب ويرشحونها للعب في العديد من الأندية وعلى رأسهم الأهلي والزمالك».
وشدد سعيد الشيشيني على أنه يجب عودة فكرة الكشاف، وهو الأمر الذي اختفى تماماً في مصر، رغم أنه وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير، إلا أن أندية عديدة في أوروبا، وعلى رأسها مانشستر يونايتد الإنجليزي، لا تزال تعتمد على الكشافين للبحث عن المواهب الصغيرة في دول أفريقيا وأميركا الجنوبية، وبالتالي ينجحون في تقديم عشرات المواهب سنوياً، وهو أمر أصبح صعباً، بل مستحيلاً، أن تجد موهبة أو اثنتين في مصر، لعدم وجود الكشافين، بجانب عدم الاهتمام بالرياضة في المدارس والجامعات.

عبدالله حسن: «الصغار» فقدوا متعة اللعب
أكد المحاضر الآسيوي عبدالله حسن، رئيس قسم التدريب في اتحاد الكرة، أن الأكاديميات الخاصة ولدت في ظروف لم تكن تقبل فيها الأندية اللاعبين الصغار، وبات لها شقان، الأول أنها تجارية، والأمر الثاني أن هناك مخاوف أولياء الأمور من بيئة النادي، كما أن ولي الأمر يريد أن يمارس ابنه اللعبة تحت إشراف مدرب وهذا متوافر في الأكاديميات، بالإضافة إلى أن الأكاديميات ظهرت في توقيت لا يوجد فيه أماكن بديلة للأطفال لممارسة كرة القدم بعدما اختفت ملاعب الفرجان.
ونوه إلى أن هناك معياراً للأكاديمية كشرط لحصول الأندية على الترخيص من قبل لجنة دوري المحترفين، وهو ما جعل أولياء الأمور يغيرون النظرة من خلال اختيار أكاديمية النادي على الخاصة، لأنه سيضمن أن ابنه سيكمل المسيرة في النادي، مشيراً أن الكشاف مهم للغاية ولا بديل عن وجوده خاصة الكشاف المؤهل، الذي يجيد اختيار الموهوبين، ويكون لديه حس عال في رؤية اللاعبين بشكل صحيح، وفي الأندية الأوروبية والعالمية هناك قسم كامل داخل الأندية للكشافين.
وأوضح أن المواهب موجودة ولكن اختفت الفرجان والحواري، ومفهوم الفرجان كان يعطي اللاعب الحرية في الاستمتاع بكرة القدم، ويقدم المهارة، ولكن في الأندية جانب المتعة في كرة القدم مفقود لأنه يقوم على التعلم، في ظل وجود برامج تدريبية يسير عليها المدرب واللاعب، ولكن المتعة الحقيقة مفقودة، والطفل يحب اللعب بحرية ويحرك الكرة وفق منظوره ولا يتقيد ببرنامج تدريبي وقد يفرغ الطفل طاقته في الحدائق العامة أو المدرسة، للاستمتاع بحرية اللعب دون قيود.
وأشار إلى أن كرة القدم تحتاج إلى وسائل جذب للصغار أكثر من أي وقت مضى بسبب التحديات التي يواجهها للأطفال، والموهبة تفرض نفسها ولابد أن تكون خطة للموهوب واستثمارية وكيفية الاستفادة منها في المجال، مؤكداً أن أكاديميات الأندية ليست ديكور ولكنها تحتاج إلى دور أكبر إيجابية في الأمور الفنية والتخطيط للمستقبل، لأن شراء اللاعب الجاهز هو الحل الأصعب أمام الأندية لأنه من المفترض أن تكون الأكاديميات منتجة، وكانت هناك أندية معروفة في السابق بالمواهب مثل الوصل والوحدة.

العويس: شراء «الجاهز» الحل «الأسهل»
أكد ماجد العويس، عضو شركة العين لكرة القدم، أن الأكاديميات الخاصة المنتشرة تحت مسميات أندية أوروبية عريقة لم تخرج لنا لاعباً يتم الرهان عليه أو يتم بيعه لأحد الأندية الأوروبية أو الاحتراف في الخارج رغم التكاليف المادية الكبيرة لهذه الأكاديميات واستغلال العائلات لدفع مبالغ مالية كبيرة لكون أبناؤهم يلعبون تحت مظلة هذه الأندية الكبيرة، وعندما ندقق في أطفال الأكاديميات لا نجد لاعباً واحداً أكمل المسيرة ونقول عليه بأنه خريج الأكاديميات.
وقال: «يجب محاسبة هذه الأكاديميات المنتشرة في الدولة التي حرمت الأندية من صقل المواهب ورعايتها بالطرق السليمة من خلال وجود الكفاءات التدريبية التي تعتني باللاعبين وتأهيلهم فكرياً وسلوكياً وأخلاقياً ورياضياً، ودولة الإمارات فيها الكثير من المواهب، سواء من أبناء الدولة أو المقيمين على أرضها».
واعترف العويس بأن الأكاديميات في الأندية لم تقدم المطلوب في تخريج وتصعيد لاعبين يتم الاعتماد عليهم، مما أصبحت الأندية في موقف البحث عن بدائل وهو الاتجاه للسوق في شراء اللاعب الجاهز لسد احتياجات الفريق الأول، وبالتالي الأكاديميات أصبح ضررها أكبر من نفعها على المواهب.
وطالب العويس بضرورة العودة لدوريات الحواري والفرجان لتكوين هذه المواهب وخروجها بشكل طبيعي متدرجاً من خلال التحدي والمنافسة بين أصحاب المواهب، ويكون دور مكتشف المواهب يحدد من الأصلح للانتقال لفرق النادي، هذه الدوريات تكون معيناً للكشافين في البحث عن المواهب، وقال: «علينا التحرك لحماية المواهب من الاندثار والضياع واستغلال عامل الوقت والإمكانيات المتوافرة».

بدر رجب: «الألعاب الإلكترونية» دمرت الكرة العربية
قال بدر رجب، المدير الفني بقطاع المدرسة بنادي الجزيرة، إن أغلب الأكاديميات المنتشرة لا تقدم المطلوب منها، وإن هدفها هو تجاري بحت، وإنها تفتقر للبرامج والخطط واكتشاف المواهب أو تدريبهم على النهج السليم في الكرة والأساسيات والأبجديات التي يحتاجها الناشئ، كما تساهم الأكاديميات في تدني مستوى اللاعبين، كما أن لاعب الأكاديمية لا يوجد لديه الحماس والرغبة في تطوير نفسه وإنما مثل الواجب اليومي يقوم في تأديته مقابل رسوم.
وطالب بدر رجب بتطوير القاعدة في قطاع الناشئين من خلال اختيار المدربين الأكفاء من أصحاب الخبرة في كيفية التعامل مع الناشئ، مؤكداً أن عدم لعب دوريات في الحواري أثر بالسلب على اللاعبين، لأن ولي الأمر يخاف على ابنه في اللعب في الشارع بسبب تفادي الحوادث، إلى جانب تدخل التكنولوجيا الحديثة والألعاب الإلكترونية في حياة الأطفال، وهو ما دمر الكرة العربية.
وقال: «لابد من إعادة فكرة الفرجان في وضع دوريات منظمة في كل شهر، ويكون هناك دور مكتشفي المواهب، ما يسهل علينا في إيجاد هذه المواهب ودعمها».

صباح عبدالجليل: الفرق الشعبية أساس البناء
كشف صباح عبدالجليل مدرب المنتخبات العراقية السابق، عن أن أساس كرة القدم في «بلاد الرافدين»، يعتمد على وجود المواهب، وهو خلاف ما موجود في أغلب بلدان «المعمورة»، وقال: «اللاعب العراقي ينشأ من خلال الملاعب والفرق الشعبية بمشاركة كبيرة، ويجب أن يكون هناك عمل ممنهج ومدروس، وصولاً إلى النتيجة المطلوبة، وهي صنع جيل قادر على الارتقاء بواقع الكرة التي تعتمد الإنجازات بفرق الفئات العمرية».
وأضاف: «إقامة بطولات الفرق الشعبية تفتح الباب أمام الأندية لاستثمار الطاقات والمواهب، والاستعانة بها، بعيداً عن إبرام التعاقد مع اللاعبين الأجانب ممن غزوا دورينا، وهم ليسوا أفضل من المواهب والكفاءات الموجودة في العراق».

«الحاوي».. من «حواري بورسعيد» إلى قائد «منتخب الصالات»
«الحاوي».. وهو لقب محمود عبدالحكيم المعروف في كرة القدم المصرية بالمراوغة والقدرة على «الترقيص» والاحتفاظ بالكرة، ويعد من اللاعبين أصحاب الخبرات الكبيرة، حيث لعب لبتروجيت والمصري، وغيرهما من أندية الدوري الممتاز، قبل أن ينتقل إلى اللعب في القسم الثاني، ولا يزال يحتفظ «الحاوي» بمهاراته التي تعلمها في «حواري بورسعيد»، والتي قادته للعب أيضاً مع منتخب مصر لكرة الصالات، والتألق خلال بطولة كأس العالم.
ويؤكد محمود عبد الحكيم أنه استفاد كثيراً من اللعب في الشوارع، حيث لعب بالكرة «الشراب» التي نمت مهاراته، وجعلته واحداً من أفضل المهارات والمواهب التي مرت في تاريخ كرة القدم المصرية.
وأشار عبدالحكيم إلى أنه منذ بداية تعلقه بالكرة، وهو يلعب في الشوارع المحيطة بمنزله والحواري مع أصدقائه، ما جعله ينمي مهاراته، ويصبح قادراً على التعامل مع الكرة في أصعب المواقف، ورشحه فيما بعد لأن ينضم إلى منتخب مصر لكرة الصالات.

القبيسي: «البدائل» وراء ضياع المواهب
أكد أحمد عمران القبيسي، عضو شركة الظفرة لكرة القدم، والمشرف على الفريق الأول، ضياع المواهب الناشئة التي كانت تزخر فيها ملاعب وأندية الإمارات سابقاً، بعد أن كان للفريج دور مكمل في صقل اللاعبين الذين كانوا يمارسون هواياتهم من دون أي ضغوط في بيئة مجتمعية متوافرة فيها كل عوامل الاستقرار والترابط الاجتماعي بين أبناء الفريج والحي الواحد، وكان الفريج هو المصدر لكثرة المواهب وفي تغذية النوادي باللاعبين الذين قادوا الأندية لسنوات عديدة.
وأضاف: «عندما ظهرت فكرة المدارس الكروية في الأندية، ومن ثم الأكاديميات غابت المواهب بسب التحول إلى تجارة في الصغار، ورياضتنا في وضع لا يحسد عليه والسبب غياب الفرجان وتضييق الخناق على الحواري وعدم إعطائهم المساحات الواسعة في مزاولة الكرة، ما دفع الأطفال لبدائل أخرى منها الألعاب الإلكترونية وغيرها، وحالياً أغلب الأندية تعاني من غياب أصحاب المهارة، إذا فتشنا في أغلب الأندية نادراً ما نجد الموهبة قائمة».
ونوه إلى أنه هناك أكاديميات منتشرة في كل مكان بهدف الربح السريع من خلال تقديم الوعود في تخريج وبيع اللاعبين للأندية، ولكنهم غير مؤهلين لارتداء أي شعار لأنهم لا يملكون مقومات التهيئة والفكر الرياضي، مطالباً الأندية بالعودة للفريج وبناء ملاعب بالتعاون مع الجهات الحكومية.

محسن سيد: تعجل النتائج يقود إلى التركيز على «الكبار»
قال المدافع السوداني محسن سيد، لاعب الموردة والمدرب السابق للمريخ، إن ملاعب الحواري شكلت الأرضية الصلبة التي انطلق منها أغلب اللاعبين السودانيين، إنْ لم يكن كلهم، وكرة القدم السودانية تفتقد للعمل المؤسسي في التعامل مع اللاعبين الشبان، حيث لا تتوافر أكاديميات كافية تتسع للأطفال العاشقين للعبة الشعبية الأولى في العالم.
وأضاف: «كل الإدارات التي تعاقبت على الاتحادات والأندية في السودان، لا تولي العمل على مستوى القاعدة الاهتمام المتعاظم، لأن تكوين اللاعبين منذ سن صغير يتطلب الصرف المالي، والصبر الشيء الكثير، بينما يقودنا تعجل النتائج للتركيز على كبار اللاعبين، واستقدام الأسماء الجاهزة من الأجانب، وهجر اللبنة الأساسية التي انطلقت منها كرتنا، وهي ملاعب الحواري المهملة، والبعيدة عن أعين الأندية الكبرى، فيما تلاحقها نظرات الكشافين وأندية الدرجات الصغيرة التي تنفض الغبار عن مواهب الحواري، وتقدمهم في أبهى صورة للأندية الكبرى التي تجد نفسها مجبرة على صرف الملايين من الجنيهات، للتعاقد مع لاعبين كانوا قبل عامين أو ثلاثة يحلمون بارتداء قمصان الهلال أو المريخ».

كشاف حواري على «السوشيال ميديا»
لجأ أحد الأشخاص في السعودية إلى إنشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لجذب لاعبي الحواري، خاصة في منطقة الرياض، ويحمل الحساب اسم «كشاف لاعبي حواري»، وكتب في حسابه: «أي نادٍ أو كشاف لاعبين يبحث عن لاعبين حواري عليه التواصل معي، والحساب مهتم بلاعبي حواري الرياض ولا يهم ميول اللاعبين».
وتعد هذه الطريقة إحدى الطرق التي يلجأ إليها البعض مستغلاً التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر فئة، في الوقت الذي تنتظر حسابات أخرى تحمل اسم «سمسار لاعبين» و«وكيل لاعبين»، من أجل الوصول لأكبر شريحة من متابعي «السوشيال ميديا».

اختفاء «المدرسة الرياضية»
تعد المدرسة الثانوية الرياضية باستاد القاهرة في مصر من أشهر المدارس التي خرج منها نجوم بارزون لكرة القدم المصرية، في مقدمتهم محمود الخطيب وغانم سلطان وفاروق جعفر ومصطفى يونس ومحمود الخواجة، وعبدالعزيز عبدالشافي، وغيرهم من النجوم الذين تركوا بصمة كبيرة في الملاعب المصرية والعربية، إلا أن المدرسة اختفت عن الأنظار ولم تعد منجماً للمواهب الكروية، وتم استبدالها بمدرسة الموهوبين رياضياً، والتي تم تأسيس فرعين لها، الأول في القاهرة، والثاني في الإسماعيلية، وتم غلق الفرع الثاني، بينما مدرسة القاهرة لم تعد تقبل مواهب جديدة في كل الألعاب، وباتت المدرسة في طريقها للإغلاق.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©