الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الرسوم المتحركة... ذهب المستقبل

الرسوم المتحركة... ذهب المستقبل
10 أغسطس 2011 22:35
يخرج قارئ كتاب “سحر الكرتون العربي” للباحث الدكتور حسني مجاهد من قراءته للكتاب بنتيجة مؤلمة قليلاً، وهي أننا كعرب لم نستفد كثيراً من هذا الفن الحساس لا على الصعيد الإبداعي ولا على الصعيد الاقتصادي. صحيح أن هناك تجارب عربية مبشرة لكن عند مقارنتها بمثيلاتها من التجارب الأوروبية واليابانية والأميركية تبدو ضئيلة للغاية، وهذا للأسف الشديد سمْتُنا في كثير من أمورنا الفكرية والإبداعية والتنموية، رغم أن مؤلف الكتاب لم يقل هذا لا تصريحاً ولا تلميحاً، إلا أن القارئ الحصيف بمجرد أن يقرأ ميزانيات بعض الأفلام والمسلسلات الكرتونية العالمية والأرباح التي حققتها، يصل لا محالة إلى مثل هذه النتيجة، ويقع في روعه أن هذا الفن “ذهب إبداعي” و “ذهب اقتصادي” لم يعرف العرب كيف يستخرجوه أو يصنعوه. أما ما خلص إليه الباحث من دراسته هذه فهو أن الرسوم المتحركة تمثل “دخلاً قومياً مهماً لدول مثل أميركا واليابان”، وهو يقول في تقديمه للكتاب: “ومع التطور الهائل لتقنية الرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد أيقنت أن ذلك الفن قادم لا محالة إلى وطننا العربي، خاصة بعد تجربة فيلم افيتار للمبدع جيمس كاميرون والتي أدارت العقول وأذهلتها، ولذلك أرى أن هذه الصناعة تمثل اقتصاداً قادماً ومورد دخل مهم بالنسبة للشعوب”. النظرية والممارسة والباحث حسني مجاهد ينتقل في كتابه الصادر حديثاً عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع من موقع الفنان/ الذي يمارس رسم وتحريك الشخصيات الكرتونية إلى موقع الباحث المؤرخ الذي يوثق لهذا الفن في تجلياته المختلفة: شخصيات وبرامج ومسلسلات وأفلام. وبعد أن كانت علاقته بالرسوم المتحركة تقوم على الممارسة الفنية والإبداعية، ينتقل الفنان الدكتور حسني مجاهد إلى مرتبة أخرى من هذه العلاقة تتمثل في دراستها بحثياً والتأريخ لنشأتها وتقصي التفاصيل الدقيقة التي تتعلق بها... فالباحث هو فنان تشكيلي ورسام متخصص في رسوم الأطفال، وعمل في مجلة “ماجد” منذ 1996 ولغاية 2008، وهو حاصل على رخصة الكتابة من شركة والت ديزني العالمية، وقام بكتابة قصتين لعلاء الدين بعنوان سيد النهر (الجزء الأول والثاني)، وقام إلى ذلك بتدريس مادة الرسوم المتحركة في جامعة الإمارات عامي 2003 – 2004، وله أفلام وألبومات غنائية للأطفال، وهكذا يجمع بين المعرفة العملية والإبداعية الأكاديمية وبين المعرفة النظرية، وفي كتابه يقع القارئ على متابعة شبه شاملة لنشأة هذا الفن التاريخية، وكيفية صناعة الرسوم المتحركة، وأشهر شخصياتها والعاملين فيها وأهم أفلامها. يسافر الباحث حسني مجاهد في عوالم هذه الشخصيات التي سحرت الأطفال وربما الكبار في بعض الأحيان، ويستعرض في أربعة فصول معلومات كثيرة تهم كل باحث في هذا المجال، بل وتفاجئ القارئ العادي بمعرفة جديدة ربما مرَّ بجانبها مرور الكرام باعتبارها شيئاً يخص الطفل ولا يعنيه... لكن الباحث يلفت في كتابه ليس فقط إلى الأثر البالغ التي تمارسه هذه الرسوم على الأطفال إلى حد أنها تشارك الأسرة في تربيتهم. في الفصل الأول “سحر الرسوم المتحركة” يقدم الباحث شرحاً مبسطاً للفكرة وكيف تنفذ الرسوم المتحركة، والطرق المختلفة لتنفيذ فيلم الرسوم المتحركة ومنها: الرسوم المتحركة من أوراق السيلولوز، والتحريك بالدبابيس، والتحريك بالحاسوب ضارباً أمثلة على كل نوع، لافتاً إلى (وليم جورج هورنر) الذي ابتكر عام 1834 قبل إنتاج الرسوم المتحركة جهازاً يسمى “الديداليوم” الذي تم تطويره في القرن التاسع عشر والذي أسهم في ابتكار الرسوم المتحركة، لينتقل بعد ذلك الى تاريخ الرسوم المتحركة وروادها وأشهر الذين قاموا بإنجاز أفلام من هذا النوع وفي مقدمتهم بالطبع، والت ديزني، الذي طبقت شهرته الآفاق، وفي الفصل نفسه يعرج الباحث حسني مجاهد على التجربة اليابانية، حيث نشأ فن الانمي وخرج من عباءتها، ملقياً ضوءاً كاشفاً على هذه التجربة المهمة ونشأتها تاريخياً والمراحل التي مرت بها صناعة الرسوم المتحركة في تلك البلاد التي حملت شخصياتها الكرتونية قصصها الشعبية وأساطيرها، موضحاً النواحي الإيجابية التي تحملها والتحديات التي تواجهها. ويأخذ الفصل الثاني من الكتاب وهو بعنوان “أشهر الشخصيات الكرتونية في عالم الرسوم المتحركة” القارئ في رحلة ممتعة ليتعرف إلى خفايا شخصيات ميكي ماوس، وتوم وجيري، والسنافر، وبينوكيو، والدبدوب ويني، وكيتي، وأليس في بلاد العجائب، ونقار الخشب، والقط المترف جارفيلد، والثنائي الكوميدي لوريل وهاردي، وتويتي طائر الكناري الصغير المرح، وبوباي، وغيرها من الشخصيات التي أثثت طفولة أطفالنا وعاشوا معها لحظات فرحهم ومتعتهم، والتي حققت نجاحاً هائلاً على المستوى العالمي. وفي صلب الكتاب يأتي الفصل الفصل الثالث ليضيء بشكل مفصل، وربما للمرة الأولى بهذه الشمولية، على التجربة العربية في مجال الرسوم المتحركة، وقد بذل الباحث في هذا الجزء جهداً استقصائياً كبيراً للإحاطة بمعظم التجارب العربية على هذا الصعيد وفي معظم البلدان العربية، حيث درس نماذج من مصر والإمارات والكويت والسعودية والأردن وسوريا ولبنان وتونس والسودان وفلسطين. وعن ذلك يقول حسني مجاهد: “كان الكرتون العربي وسحره هو هدفي وغايتي، فرصدت الطرق المختلفة في تنفيذ الكارتون والتجارب العربية والمحلية المهمة، مثل مسلسل “بسنت ودياسطي” ثلاثي الأبعاد، و”بكار” و”سوبر هنيدي” ثنائي الأبعاد في مصر، كذلك في الإمارات العربية المتحدة مسلسلات “الفريج” و”خوصة بوصة” و”خراريف” ثلاثي الأبعاد، و”شعبية الكرتون” و”حمدون” ثنائي الأبعاد”. وفي هذا الفصل تحدث الباحث عن المسلسلات الكرتونية العربية معرفاً بها وبقصتها وصناعها والمشاركين فيها وغير ذلك، ومما تناوله بالدراسة علاوة على النماذج التي أشار إليها سابقاً: أبو محجوب، المفتش كرومبو وتلميذه سحس بمب، بن وعصام، بوجي وطمطم، خمسة شارع الأصدقاء، سنوحي، يوميات الأستاذ سحلاوي، خيط الحياة، رسوم متحررة، لتحي كرطافو، مزنة آند فاملي، يوميات مناحي، محجوب وسلام، هموم متحركة، يوميات بو قتادة ونبيل. وفي نهاية هذا الفصل وضع قائمة بأسماء أفلام الرسوم المتحركة العربية تشكل دليلاً لأي باحث يريد أن يبني دراسات اكثر تخصصاً في هذا الحقل. فرسان الكرتون في الفصل الرابع تتبع الباحث أهم الأفلام الكرتونية العالمية تحت عنوان “فرسان الكرتون” مركزاً على والت ديزني والأفلام التي حفرت اسمها في ذاكرة السينما العالمية، فقرأ أفلام: سنووايت والأقزام السبعة، بينوكيو، سندريلا، أليس في بلاد العجائب، بيتر بان، أحدب نوتردام، البحث عن نيمو، الخارقون، بولت، حكاية لعبة، حياة الامبراطور الجديدة، حياة حشرة، ديناصور، كلب السرقة الكبير او المائة مرقش ومرقش، راتاتوي، شركة المرعبين المحدودة، طرزان، كوكب الكنز المفقود، مولان، النحلة، كونغ فوباندا، حيث عرف بقصة الفيلم وشخصياته وقام بالتعليق على بعض مراميه وطبيعة الأحداث والأبطال، علاوة على إيراد ميزانيات كل فيلم والأرباح التي حصل عليها. ويلفت الكاتب إلى أنه قام “بنقل وإعداد هذه التجارب المختلفة في الرسوم المتحركة بأمانة الباحث دون تدخل يذكر، وذلك للاستفادة من هذه التجارب في وطننا العربي”، مستثنياً شخصية حمدون التي حصلت منه على “لمحة خاصة” وعرض تفصيلي نظراً لمعرفته بمبدع هذه الشخصية الفنان عبد الله الشرهان الذي أدرك من خلال حديثه معه أن الإمارات العربية المتحدة بيئة خصبة لنمو هذا النوع من الرسوم المتحركة والتي تعكس عادتنا وتقاليدنا دون إسفاف أو مساس بالموروث الثقافي والديني. يبقى أن هذا الكتاب جاء، حسب الباحث، “ليكون نواة لعلم جديد وصناعة جديدة أكاديمية يخطط لها بدراية واقتدار لبناء جيل جديد قادر على مواجهة تحديات العلم الحديث وإبراز تاريخنا بشكل عصري لكي نراهن على المستقبل من خلال الحاضر والماضي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©