الجمعة 3 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

البريكيست حقبة اقتصادية وسياسية جديدة بعد اكتساح «المحافظين»

البريكيست حقبة اقتصادية وسياسية جديدة بعد اكتساح «المحافظين»
22 ديسمبر 2019 00:49

شادي صلاح الدين (لندن)

تستعد المملكة المتحدة لحقبة اقتصادية وسياسية جديدة بعد الانتخابات العامة الأخيرة، والتي شهدت اكتساحاً للمحافظين وتصويتاً لصالحهم في معاقل حزب العمال التقليدية في الشمال، وهو ما يعني أن العمال سيعانون كثيراً لاستعادة ثقة ناخبيهم في السنوات القادمة، التي وصفها المحللون والخبراء بأنها فترة قد تسمى مجازاً «ديكتاتورية محافظة» استناداً لغياب معارضة قوية بعد انهيار العمال والحزب الليبرالي الديمقراطي.
وتوقع الخبراء أن ترتكز الفترة القادمة على الانتهاء من قضية البريكست، التي وعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأنها ستتم بأي حال من الأحوال، وعام 2020 سيكون الفترة الانتقالية التي بنهايتها ستكون بلاده خارج الاتحاد الأوروبي.

صدمة سياسية في الشارع البريطاني
لا يزال الكثيرون من الطبقة السياسية البريطانية في حالة صدمة، ولقد كانت انتخابات غير عادية لأنها كانت تحت شتى أنواع الضغوط.
ومنذ البداية، توقعت استطلاعات الرأي بانتصار حزب المحافظين الكبير الصريح، لكن بعد انتخابات عام 2017، لم يكن أحد مستعداً للثقة في الاستطلاعات، وبين أعضاء المحافظين، على الرغم من إخفاء هذا الشعور جيداً، كان هناك أيضاً خوف واسع النطاق من أن بوريس سينهار.
ويعتبر الحظ مهما في السياسة، وساعد رئيسة الوزراء الأشهر مارجريت تاتشر في تعزيز قبضتها على السلطة بسبب وجود زعيم العمال مايكل فوت، وحرب «فوكلاند».
وبوريس جونسون يتمتع أيضاً بالحظ، فلقد انتصر للتو على أضعف قادة الأحزاب المعارضة في التاريخ، ويتسيد رئيس الوزراء الآن الساحة السياسية علاوة على ذلك، إذا استطعنا استخلاص استنتاج واحد من أحداث الأشهر القليلة الماضية، فهو ألا نقلل أبداً من أهمية جونسون.

تحديات العام المقبل
ويثار التساؤل حالياً: ما الذي سيفعله جونسون في المرحلة المقبلة؟ ويجيب المحلل السياسي في لندن، ليز جيلمر، عليه أن ينفذ ما وعد به وهو «البريكست» وقد يكون ذلك أسهل مما توقعه البعض.
وأضاف أن «الجميع الآن يعلمون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيحدث، وفي أوروبا، هم أقل سخطاً منا نحن البريطانيين من التكتل الأوروبي، لديهم شواغلهم الخاصة بهم، ولكن إذا كانت بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي وتزدهر، فإن ذلك سيشكل مثالاً قوياً ويشجع بعض الدول الأوروبية الأخرى لأن تقوم بالمثل، ومع ذلك، فإن احتمال خروج بريطانيا من الأجندة يثير حماسة متزايدة في العديد من العواصم الأوروبية».

هل سيستفيد الاقتصاد البريطاني؟
يقول الخبير الأيرلندي: إن هناك نقطتين مهمتين. أولاً: «كما أوضح رد فعل السوق الأولي، هناك الكثير من الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية الأخرى التي عانت بسبب عدم اليقين والخوف من حكومة كوربين، وبالتالي فإن التخلص من تلك المخاوف سيعزز آفاق المملكة المتحدة على المدى القصير». وثانياً: «مهما كانت نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فسيكون هناك خاسرون بالإضافة إلى فائزين، ويجب أن تكون الحكومة جاهزة لذلك».
وبشأن تحركات رئيس الوزراء لمنع تمديد الفترة الانتقالية للبريكست، قال المحلل السياسي، إن مثل هذه الخطوة ستزيد من صعوبة المفاوضات بين لندن وبروكسل لإقامة شراكة تجارية جديدة غير مسبوقة بحلول نهاية العام المقبل.
وحذر مسؤولو الاتحاد الأوروبي بالفعل من أن الجدول الزمني القصير يعني أن محادثات التجارة ستضطر إلى التركيز على تقديم صفقة تحافظ على تجارة معفاة من الرسوم الجمركية، مما يمنع بريطانيا من الانهيار بشروط منظمة التجارة العالمية الأساسية عندما تنتهي الفترة الانتقالية.
وتحدى رئيس الوزراء تحذيرات الاتحاد الأوروبي من أن تاريخ انتهاء ديسمبر 2020 لفترة التوقف المزعومة لا يترك سوى القليل من الوقت الثمين لإجراء محادثات حول علاقة مستقبلية تغطي كل شيء من الحفاظ على التجارة إلى مكافحة الإرهاب.
وعلى الرغم من إمكانية إلغاء القانون نفسه، إلا أن جونسون اعترف بنفسه بأن نهاية عام 2020 هي موعد نهائي صعب يمكن من خلاله تحقيق كل شيء.

تبعات الانتخابات العامة والبريكست واستقلال إسكتلندا
قال الخبير الاقتصادي الشهير في لندن، طاهر الشريف، إن الانتخابات العامة لها تبعات كثيرة وأهمها أن حزب المحافظين حصل على أغلبية كاسحة تاريخية تؤهله لفرض الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية التي يرغب بها، بجانب خسارة حزب العمال لـ59 دائرة في شمال بريطانيا وانضمامها لدعم حزب المحافظين، كل ذلك يمنح بوريس جونسون يداً مطلقة في تنفيذ خطته الرئيسية للبريكست اعتباراً من 31 يناير المقبل.
وأوضح الشريف لـ«الاتحاد» أن هناك فترة انتقالية تبدأ في 31 يناير حتى 31 ديسمبر 2020 وتشهد مفاوضات كثيرة مع الاتحاد الأوروبي، لكن هناك ثلاث قضايا رئيسية ستستحوذ على اهتمام الجميع: وهي «العلاقات التجارية، والهجرات، والحدود الأيرلندية».
وتعتبر القضية الأولى هي العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وهي القضية التي ستستحوذ على معظم الوقت في المفاوضات، لافتاً إلى أن 50% من حجم التجارة البريطانية تتم مع الاتحاد الأوروبي، و20% مع الولايات المتحدة، والباقي مع دول الشرق الأوسط والعالم.
كما أن الاستثمارات البريطانية مع أوروبا تبلغ 51%، بجانب أن بريطانيا تستورد 37% من احتياجاتها من السلع الغذائية من أوروبا، وهي حالياً معفاة من الجمارك، أي أنه مع خروج البلاد ستبدأ أسعار هذه السلع في الارتفاع.
كما سيحدث تكدس في الشاحنات القادمة من أوروبا لإخضاعها لعمليات التفتيش الجمركي، أي أن البريكست سيؤثر سلباً فيما يتعلق باستيراد السلع الغذائية من دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات القليلة المقبلة.
وفيما يتعلق بقضية الحدود الأيرلندية، أوضح الشريف أن بوريس جونسون توصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ينص على أن أي سلع متوجهة من بريطانيا إلى أيرلندا الشمالية – أحد مكونات المملكة المتحدة - وحتى لا يتم تسريبها إلى أيرلندا الجنوبية – وهي دولة مستقلة عضو في الاتحاد الأوروبي – سيتم فرض «خطاب ضمان» لها حتى لا تباع في أيرلندا الجنوبية.
أما قائمة السلع الاستراتيجية الأخرى فيتم وضع قائمة لها للاتفاق النهائي بشأنها.
والقضية الثالثة تتعلق بالهجرة وحركة مواطني الاتحاد الأوروبي، وأكد الشريف أن هذه من أكثر نقاط القوة والمكاسب التي تحققها بريطانيا من خروجها من الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن كثيراً من المهاجرين يأتون من دول أوروبية فقيرة، وخاصة دول شرق أوروبا، وهؤلاء يأتون ليحصلوا على وظائف في بريطانيا بأجور منخفضة تؤثر سلباً على متوسط الأجور في البلاد، وبجانب البريكست سيؤدي إلى ارتفاع أجور اليد العاملة في قطاعات الزراعة والسياحة والخدمات والإنشاءات. كما أن البريكست يساعد إيجاباً على خفض معدلات الجريمة لأن العديد من المجرمين الأوروبيين يأتون إلى بريطانيا من دول شرق أوروبا الفقيرة.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن الانتخابات العامة حسمت قضية البريكست، التي ستوفر نحو 370 مليون إسترليني أسبوعياً، وهي المبالغ التي سيتم تخصيصها لدعم هيئة خدمات الصحة الوطنية. كما أن السوق العقاري سيتراجع نتيجة عمليات بيع الأوروبيين لمنازلهم وعقاراتهم وعودتهم إلى أوروبا، وهو ما يعني زيادة في المعروض، وبالتالي انخفاض الأسعار وهي نقطة إيجابية للمشترين وسلبية للمطورين العقاريين.
ونوه إلى أن الكثير من الأوروبيين كانوا يمنـّون النفس بخسارة المحافظين في الانتخابات الأخيرة، وعودة العمال الداعمين للبقاء في أوروبا إلى السلطة.
وتوقع طاهر الشريف أن يحدث نزوح كبير للشركات الأوروبية والعالمية من بريطانيا إلى دول أخرى مثل ألمانيا وهولندا خلال الفترة المقبلة، بسبب خروج بريطانيا من الإطار الاقتصادي والسياسي الحاكم لدول الاتحاد الأوروبي. وشدد على أن مصدر القلق الأكبر حالياً يتمثل في مطالبة الحزب القومي الإسكتلندي وزعيمته، نيكولا ستورجيون، بالاستقلال عن المملكة المتحدة، لأنهم حصلوا في الانتخابات الأخيرة على 48 مقعدا، بينهم 7 مقاعد من حزب المحافظين وجميع مقاعد حزب العمال في اسكتلندا.
وقالت ستورجيون إنها ستدعو للاستفتاء على الاستقلال في يونيو المقبل.
لكن الشريف قال إن الموضوع لن يكون بهذه السهولة حيث إن قطاعاً واسعاً من المجتمع الإسكتلندي يرغب في البقاء في المملكة المتحدة، مشيراً إلى استفتاء عام 2014 والذي شهد تصويت أكثر من نصف الإٍسكتلنديين لصالح البقاء في بريطانيا. وأكد الشريف أن زعيمة الحزب القومي الإٍسكتلندي لن تستطيع الدعوة إلى الاستفتاء دون تمرير مشروع قانون في مجلس العموم في لندن، أي أنه لكي يجري حزبها استفتاء في اسكتلندا يجب على حكومة بوريس جونسون – الرافضة لهذا الأمر – أن توافق على تصويت يقدم في البرلمان البريطاني، وهو ما لن يحدث، وفقاً للخبير البريطاني.
وفيما يتعلق بالعلاقات المتوقعة مع الولايات المتحدة، قال الخبير الإستراتيجي البريطاني إن العلاقة بين الجانبين، مماثلة لـ«الزواج الكاثوليكي»، وهناك اتفاق غير موقع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجونسون بأن يتم رفع التبادل التجاري من 20% حالياً إلى 30% ثم 50% بحلول عام 2030.
كما أن هناك اتفاقاً على ضخ استثمارات أميركية في بريطانيا خلال الفترة المقبلة لمساعدة البلاد على تخطي الفترة الصعبة المقبلة.
وفي المجمل توقع طاهر الشريف أن تكون هناك معاناة خلال الفترة المقبلة في بريطانيا على مدى السنوات الخمس أو الست المقبلة، لكن البلاد ستكون أفضل خلال الفترة التي تلي ذلك تحت قيادة المحافظين، وخاصة بعد استعادة السيادة السياسية والاقتصادية والبرلمانية من الاتحاد الأوروبي.

تقليص متوقع في «الإنفاق».. وصراع مع النقابات
من جانبه، قال معتصم الحارث الضوّي، مستشار العلاقات العامة السياسية المقيم في بريطانيا، لـ«الاتحاد» إن فوز حزب المحافظين البريطاني لم يكن مفاجئاً لمن يراقب تطورات الأوضاع في بريطانيا عن كثب، إذ أن الدعاية الانتخابية لحزب العمال الذي يتزعمه جيريمي كوربن أُصيبت في مقتل نتيجة الاتهامات الموجهة إلى حزبه على عدة صُعُد وعدم اكتراث قيادة الحزب لتلك الممارسات، وقد استغل حزب المحافظين الهجمة الشرسة التي تعرض لها حزب العمال من جهات متعددة لهذا السبب في تشويه سمعة حزب العمال وقائده كوربين.
كما أن الخطاب المعادي للأجانب، وخاصة من شرق أوروبا، والذي لجأ إليه حزب المحافظين وجد قبولاً كبيراً لدى الناخبين، وبالتالي تحولت حتى بعض الدوائر الانتخابية التي كان العمال يظنونها مضمونة وصوّتت ضدهم، ومثال على ذلك بعض الأحياء في لندن، وكذلك مناطق شاسعة في كل من شمال شرق وشمال غرب إنجلترا.
على صعيد ذي صلة، كان لموقف حزب الليبراليين الديمقراطيين المعادي بشدة لجيريمي كوربن أثر كبير في تحويل الأصوات عن حزب العمال، إذ رفض الليبراليون التنسيق مع حزب العمال، بل وأصبحوا أقرب إلى المحافظين من ناحية العداء للعمال، وقد أدى ذلك بدوره إلى خسارة بعض مرشحي حزب العمال بفوارق ضئيلة بسبب توزع الأصوات بينهم والليبراليين الديمقراطيين، مما أدى تلقائياً إلى فوز المحافظين في تلك الدوائر الانتخابية. والآن، وبعد أن تعاظمت ثقة بوريس جونسون بنفسه بسبب نجاحه الكاسح في الانتخابات البريطانية، فمن المتوقع أن يتخذ سياسات أكثر تشدداً إزاء القضايا التي يعتبرها أولويات لحكومته، وعلى رأسها إنهاء العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن تلتزم الحكومة المنتخبة بالموعد المحدد للخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير 2020، علما أن الاتحاد الأوروبي كان قد بادر إلى منح الحكومة البريطانية مهلة جديدة لإبرام اتفاقية بخصوص التعاملات التجارية والضرائب والجمارك بعد ذلك التاريخ.
على الصعيد الداخلي، أوضح الضوّي أنه من المتوقع أن تتخذ حكومة حزب المحافظين سياسة أكثر تشددا بخصوص الفئات الفقيرة، ويشمل ذلك تخفيض النفقات على نظام الضمان الاجتماعي، وأن تسعى إلى تقليص النفقات الحكومية في محاولة لمواجهة العجز في الموازنة العامة للدولة، وكذلك أن تسعى للمزيد من التحكم في القوى التي تعدها معادية لها، مثالاً النقابات، ولذا لم يكن مفاجئاً أنبوب الاختبار الذي أطلقته الحكومة خلال الأيام القادمة، عندما أصدرت تحذيراً حازماً للنقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية والخطوط البحرية والمواصلات ذات التوجه اليساري، والتي يصل تعداد أعضائها إلى قرابة التسعين ألف شخص، من الشروع في أي إضرابات خلال الفترة الحالية، وذلك في خطوة عدّها البعض تجهيزا للساحة السياسية الداخلية للمزيد من الإجراءات القادمة التي تهدف لتقليم أظافر كل القوى الداخلية المعادية تاريخيا للمحافظين.
ويبقى التساؤل الأكبر الذي يشغل بال المواطن البريطاني في هذه الأيام هل ستجرؤ الحكومة الجديدة على الاستمرار في مباحثاتها مع الجانب الأميركي بغرض خصخصة خدمة الصحة الوطنية البريطانية، والتي تُعد المُخدم الأكبر في بريطانيا، وثالث أكبر مخدم في العالم، والتي ينظر إليها البريطانيون بأنها من أعظم الإنجازات التي تحققت في البلاد على الإطلاق في سياق تحقيق دولة الرفاهية الاجتماعية؟
وقال «الصورة تبدو قاتمة للغاية، ولا دلائل تشير إلى حدوث انفراج اقتصادي ينقذ البلاد من تدهور اقتصادي كبير، خاصة أن الجانب الأميركي الذي تعوّل الحكومة البريطانية على تقديمه لاتفاقيات للتعاون الاقتصادي تغطي العجز الذي سينتج عن الخروج من الاتحاد الأوروبي ما زال يقدم قدماً ويؤخر أخرى لتحسين موقفه التفاوضي والضغط بأقصى درجة ممكنة على بريطانيا لتحقيق مكاسب ضخمة للولايات المتحدة الأميركية».

أوروبا والتعاطي مع حكومة جونسون ومستقبل حزب العمال
الباحث السياسي في لندن محمد البط، قال إن العديد من الأشخاص يتحدثون في أن جونسون انتهى من قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيتمكن قريباً من إبرام اتفاقية تجارية ضخمة تعوض الشريك التجاري الأول للبلاد، وهو الاتحاد الأوروبي، مشدداً على أن ذلك غير صحيح وأن البريكست قضية لم تنته بعد. وأوضح البط في تصريحات لـ«الاتحاد» أن المملكة المتحدة عالقة حالياً داخل ما يسمى بـ«الفترة الانتقالية»، وهي الفترة التي تم التفاوض عليها من قبل الحكومات السابقة تحت ستار توفير الوقت للشركات على جانبي القناة الإنجليزية للتكيف مع رحيل بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتشمل تمتع الدولة بجميع شروط العضوية، دون أن تكون عضوا في الواقع، مشيراً إلى أن المملكة المتحدة ستخضع لجميع قوانين الاتحاد الأوروبي، سواء تلك الموجودة الآن وتلك التي يتم تنفيذها وتحضيرها خلال تلك الفترة، وستستمر في سدادها بالكامل، ولكن لن يكون لها تصويت أو حق النقض أو ممثل منفرد واحد.
وسيكون عليها أيضا الاستمرار في تطبيق السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي. ولن تسري أي اتفاقيات تجارية تبرمها المملكة المتحدة حتى تنتهي فترة هذه الفترة الانتقالية في نهاية العام المقبل، بجانب أن بروكسل قد تفرض شروطا معينة أو تغير أي بنود من أجل مضايقة بريطانيا لإبقائها محبوسة في براثن بروكسل التنظيمية بعد نهاية العام المقبل، مشدداً على أن هناك اتفاقاً غير معلن بين قيادات أوروبا على ضرورة إبقاء المملكة المتحدة مقيدة وملتزمة بالكتلة لأكبر قدر ممكن.
ويشعر زعماء فرنسا وألمانيا بالقلق من أن جونسون قد يحول المملكة المتحدة إلى «سنغافورة جديدة».
ومؤخراً قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه سيحارب من أجل منع بلاده من أن تصبح «منافساً غير عادل» لدول الاتحاد الأوروبي الـ 27 المتبقية.
ولا ترغب باريس وبرلين في وجود قوة اقتصادية عظمى قادرة على المنافسة.
وبهذه الطريقة، لا تحتاج حكوماتهم إلى القلق بشأن ابتعاد ناخبيهم وصناعاتهم عن سياساتهم الاشتراكية ذات الضرائب المرتفعة والإنفاق المرتفع أيضا.
لهذا السبب يريد أكبر مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن تستند أي علاقة تنظيمية مستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فكرة وجود «ساحة لعب متكافئة» صارمة، وفقاً للباحث البريطاني.
ويبدو هذا غير ضار إلى حد ما ولكن يتم تقديمه لضمان بقاء المملكة المتحدة في ظلال النموذج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي.
وقد تكون المحادثات التجارية بين بريطانيا والولايات المتحدة على وشك البدء بجدية، لكن من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يتوقع من بريطانيا بعد خروجها من الكتلة أن تستمر في عكس قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن كل شيء من لوائح العمل إلى سلامة الغذاء إلى القانون البيئي. وسيظل المصدرون الأميركيون يواجهون رسائل من الدوائر الحكومية الروتينية في بروكسل.
لهذا السبب كانت بروكسل حريصة جداً على تنازل بريطانيا للسيادة الاقتصادية لأيرلندا الشمالية، والتي بموجب اتفاق جونسون للخروج ستبقى في الاتحاد الأوروبي.
وسيتم فرض الإجراءات الجمركية على البضائع القادمة من البر الرئيسي البريطاني، وهذا شيء وعد به جونسون مراراً وتكرارا للحزب الديمقراطي الوحدوي (شريكه في الائتلاف)، بأنه لن يفعله أبدا.
كما أن صفقة طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والمحادثات التجارية اللاحقة ستظل محكومة من قبل محكمة العدل الأوروبية، التي ستظل عندئذ الحكم النهائي في أي نزاع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في المستقبل.
وبالتالي فإن قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإن توقعها البعض بأنها مسألة وقت قد لا تكون غير دقيقة، لأن هناك عاما كاملا لفترة انتقالية قد يحدث خلاله الكثير وقد تتغير المعطيات والنتائج وفقا له.
وحول معطيات خسارة العمال، وآفاق استعادة الحزب لتوازنه في الفترة المقبلة، قال الباحث السياسي المقيم في لندن إن كوربين هو شخصية مثيرة للخلاف بشدة تجسد الهوة الثقافية داخل حزب العمال. وهو شخصية قادمة من أقصى يسار الحزب، ولديه سجل طويل من الإشادة «بالدكتاتوريات اليسارية» وتبادل البرامج مع مجموعات مثل «الجيش الجمهوري الأيرلندي» و«حزب الله» و«حماس».
كما أنه نجا من تصويت على سحب الثقة منه في عام 2016 بسبب تعامله مع حملة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ونسب البعض فوز حزب العمال غير المتوقع بـ 30 مقعدا إضافيا في انتخابات عام 2017 إليه.
لكن الحكم على قيادته والذي تم التوصل إليه بعد هزيمة الخميس كان واضحاً. وأعلن كوربين على الفور أنه لن يقود حزب العمال إلى انتخابات عامة أخرى، ووعد بالإشراف على انتقال القيادة بينما يقاوم دعوات الاستقالة على الفور.
وفي المرة الأخيرة التي خسر فيها حزب العمال هذا بشكل سيئ، استغرق الأمر 14 عاماً وثلاثة انتخابات وتحولاً جذرياً إلى حزب أكثر مركزية تحت حكم توني بلير قبل أن يعود إلى السلطة. وسيتعين على الحزب الآن أن يمر بعملية إعادة بناء مماثلة، والتي وضعت بالفعل الفصائل المختلفة داخل حزب العمال على قدم المساواة مع ما يشبه «بالحرب الأهلية»، حيث بدأ الحزب بحثه عن خليفة كوربين وربما اتجاه سياسي جديد.
وأمام جونسون عملية مواجهة بعض الاضطرابات داخل حزبه. وعلى الرغم من أن الائتلاف الانتخابي لحزب المحافظين موحد من قبل المحافظين الاجتماعيين، فإن للناخبين القدامى والجدد مصالح اقتصادية مختلفة إلى حد كبير. ويتوقع المحافظون التقليديون الأثرياء في جنوب إنجلترا تخفيضات ضريبية ودولة أصغر، في حين يتوقع الناخبون العماليون السابقون في الشمال استثمارات أكبر في الخدمات العامة. وربما يكون تحرك جونسون للإطاحة بالنواب المطالبين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي من داخل الحزب قد أزال المصدر الرئيسي للاحتكاك داخل حزبه، لكنه سيواجه على المدى الطويل تحدياً جديداً في إقناع الجبهة التقليدية التي تسمى «جبهة ثاتشر» تيمنا بالزعيمة التاريخية للحزب مارجريت ثاتشر، بدعم ومساندة المزيد من المحافظين ««ذوي الياقات الزرقاء» (في إِشارة إلى عمال إنجلترا في الشمال) الذين سيساعدون المحافظين على التمسك بالمكونات التي سلمت هذا النصر التاريخي. وقد يجد حزب المحافظين، الذي انقسم في الآونة الأخيرة بشأن أوروبا ولفترة طويلة، نفسه منقسما بحدة بشأن إنجلترا نفسها! وبينما من المؤكد أن تترك بريطانيا الهياكل السياسية للاتحاد الأوروبي في نهاية يناير، فإن هذا لا يعني أن البلاد مستعدة لدخول فترة من الوئام السياسي.
وتترتب على نتائج الانتخابات آثار على تماسك المملكة المتحدة، مما يثير إمكانية إجراء استفتاء آخر لاستقلال اسكتلندا بالإضافة إلى القلق بشأن وضع أيرلندا الشمالية.
وفي فبراير، سيبدأ المفاوضون البريطانيون في الخلاف مع بروكسل حول صفقة دائمة للعلاقة التجارية بين الجانبين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي يجب استكمالها بحلول نهاية العام.
وقال الباحث السياسي إنه في الفترة المقبلة من المتوقع أن نرى مؤيدي البقاء في أوروبا المهزومين يركزون طاقاتهم على الدفع باتجاه تحالف وثيق مع الاتحاد الأوروبي، في حين سيطالب المتشددون المتشككون تجاه أوروبا بمزيد من البعد عنها. وبعيداً عن حل هذه الانقسامات، فإن هذه الانتخابات يمكن أن تجعل الخلافات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإعادة التشكيل السياسي للحزبين أكثر عمقا وترسخاً.
وأمام ترقب الجميع سواء في بريطانيا أو خارجها، كشفت الصحف البريطانية عن تحركات سريعة من جانب جونسون من خلال إجراء ثورة داخلية ووضع خطة يبدأ تفعيلها من فبراير وتعيين وزراء أصحاب كفاءات عالية، وضم وزارات وتشكيل وإلغاء وزارات موجودة بالفعل ومن بينها «وزارة البريكست»، بجانب القيام بما هو أهم خلال الفترة المقبلة، وهو الحفاظ على ثقة ناخبي حزب العمال، الذين صوّتوا للمحافظين في الانتخابات الأخيرة، من خلال التخلص من المهاجرين – مصدر قلق العامل البريطاني – والاستثمار في الشمال وتوفير فرص عمل وضخ مزيد من الأموال في هيئة خدمات الصحة الوطنية، وهي النقطة التي كان يرتكز عليها حزب العمال في حملته.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©