الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لماذا لا يترجمنا الغرب.. بقدر ما نترجمه ؟!

لماذا لا يترجمنا الغرب.. بقدر ما نترجمه ؟!
26 ديسمبر 2019 00:05

الكفاءة اللغوية والإلمام بثقافة الآخر أولويات يجب أن تتوافر في المترجم الذي ينقل عن ثقافة الآخر، وفي عصور سابقة كانت الثقافة العربية، بكل إنتاجها الزاخر، موئلاً للغربيين ينهلون منها ويترجمون وينقلون عنها إلى لغاتهم، ومع تبدل العصور وهيمنة الثقافة الغربية في الوقت الحالي، أصبحت الترجمات العربية للمؤلفات الغربية هي السمة الرائجة في المنطقة العربية، وأضحت الترجمات الغربية للثقافة العربية ضئيلة، ولا تكاد تعبر عن الإنتاج العربي الضخم في الأدب والعلوم الإنسانية، وغيرها من الإنتاجات الفكرية الأخري، وهو ما يطرح سؤالاً مفاده ما أسباب عزوف الغرب عن ترجمة الثقافة العربية؟ إذ لا تكاد تترجم كتب قليلة سنوياً ويتم طرحها من قبل الناشر الغربي في أوروبا وأميركا، وهل ثمة حلول من الممكن طرحها لتعويض هذا النقص، بحيث تتولى الجهات المسؤولة في البلدان العربية مساندة دور النشر الغربية، ودعمها من أجل أن تصل التجارب العربية بكل تجلياتها إلى القارئ الغربي، وتنقل له صورة صحيحة وواضحة عن طبيعة الثقافة العربية وإنتاجاتها الضخمة. «الاتحاد» تسلط الضوء على هذه الإشكاليات المعاصرة في السطور الآتية.
يقول فريدريك لاغزانج، أستاذ الأدب العربي المعاصر في جامعة السوربون بباريس: إنني سأتحدث هنا عن الساحة الفرنسية ودورها في ترجمة الإنتاجات العربية، بخاصة أنني أجهل ساحات أخرى في بريطانية وأميركا وألمانيا، فمنذ بداية الثمانينيات كان عدد الترجمات للراوية العربية ضئيلاً ومخزياً لأقصى درجة، لكن حدثت انتعاشة في مجال الترجمات من العربية إلى اللغة الفرنسية عند الناشرين الفرنسيين، ويضيف: أرى حالياً أن عدد الترجمات سنوياً متواضع نسبياً، حيث يتراوح من عشرة إلى عشرين إصداراً، ومع ذلك فإن الراوية العربية، تحديداً المعترف بها نقدياً في الدول العربية، تترجم إلى اللغة الفرنسية، لكن هناك فراغاً على صعيد التراث وأمهات الكتب العربية، التي ترجم منها مقتطفات إلى الفرنسية في القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين.
ويورد أنه في الوقت الحالي، هناك أعمال كثيرة لم تتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، بخاصة في مجال العلوم الإنسانية، رغم الكم الهائل من الإنتاج العربي في التاريخ والفلسفة الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، أما الأعمال الفكرية العربية، فمن النادر ما يتم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية، مشيراً إلى أن الناشرين الفرنسيين لا يرون أن لمثل هذه الأعمال سوقاً، وأن مثل هذه الكتابات تقتضي أن يكون قارئها ملماً بكم من المراجع العربية، ويؤكد أن الثقافة العربية بكل حمولتها الفكرية أقل في الغرب من ناحية الأعمال المترجمة، وأنه من الضروري أن يكون هناك دعم مباشر، أو شراكة مع الناشرين الغربيين من خلال الجهات التي تدعم الترجمة في المنطقة العربية، ومنطقة الخليج وبخاصة في الإمارات.

هيمنة غربية
ويبين الدكتور خوسيه ميغيل، أستاذ تاريخ الفن في جامعة غرناطة في إسبانيا، أنه لاحظ في إسبانيا ازدياد عدد الترجمات العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويرى أن الترجمات العربية ليست كافية حالياً، بخاصة في فروع الفكر والعلوم الإنسانية، وأن الدعم العربي مهم، في ظل غياب ترجمات تبرز الإنتاجات العربية في الأدب والفكر والعلوم الأخرى كافة، بخاصة أن هناك أعلاماً كباراً مثل نجيب محفوظ الذي ترجمت أعماله لكل اللغات، لكن هناك أيضاً أعمال تستحق الإضاءة عليها في ظل الهيمنة الغربية في عالم الترجمة ومركزية الثقافة وعالميتها، وأن تحفيز دور النشر الغربية سيؤتي ثماره، حتى تنشط حركة الترجمة العربية في الغرب، وأن العالم العربي مسؤول عن ندرة الترجمات، لأنه يجب أن يتحرك في المسار الصحيح، لكي يتعرف القارئ الغربي على الفكر العربية من خلال دعم المترجمين بصورة أوسع.
ويقول الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة في مصر: إن رسالتنا في المركز تتمثل في أن نترجم كتباً من كل ثقافات العالم إلى اللغة العربية، لافتاً إلى أن ما يترجمه الغرب عنا ليس بالصورة التي نأملها، بخاصة أن أي ناشر غربي ينظر إلى السوق، فالكتاب المترجم مكلف، وهنا تبرز إشكالية الربح والخسارة، لافتاً إلى أن الإعلام الغربي يسيء إلى صورة العرب ويربطها بالإرهاب والتطرف، وهو ما يخلق حالة نفسية لدى القارئ الغربي تجعله لا يفكر في قراءة ما يكتبه العرب، لكن كتب التراث العربية المترجمة متوفرة في الغرب بنسب معقولة؛ لأنها تتحدث عن تراث عريق، ويرى أن من المهم تحفيز دور النشر الغربية بالدعم المادي، بخاصة أنني على قناعة أنه لن تتغير لدى الغرب الصورة النمطية عنا إلا بالإقدام على ترجمه الثقافة العربية وإنتاجها الحالي، بخاصة أن هناك مبادرات عربية في هذا الصدد لكنها قليلة، ونتمنى أن تكون هناك مبادرة عربية كبيرة، تسهم في إثراء الترجمة من العربية إلى اللغات الغربية.

قارة فكرية
ويقول الروائي الإماراتي علي أبو الريش: «إن السبب الرئيس في هذه الإشكالية المتعلقة بالترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى هو ضعف التسويق، والإعلام العربي معني بإظهار وإبراز النتاجات الفكرية والأدبية من خلال تكوين شركات حقيقية مع المؤسسات الغربية في مجال الترجمة، لأن جزءاً كبيراً من مفكرينا وأدبائنا هم قارة فكرية كاملة مجهولة بالنسبة للآخر، وأن وأغلب الأعمال التي يتم اختيارها تترجم عن طريق جهود شخصية، قياساً للإنتاج الهائل في العالم العربي المتمثل في الترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، ويرى أنه من الضروري أن يكون هناك وعي عربي بهذه الإشكالية المعاصرة، حتى يعرف الغرب من نحن.
ويبين الدكتور سعيد البازعي، ناقد وأديب سعودي، أن الاهتمام بترجمة الثقافة العربية إلى اللغات الأخرى ليس غائباً كلياً، لكنه محدود، بخاصة أن المسؤولية تقع علينا، نحن في العالم العربي، في التعريف بثقافتنا لدى الآخر، مشيراً إلى أن ضآلة الترجمات سببها أن الناشر ينظر للسوق وللأعمال القابلة للرواج، فمثلاً ترجمت أعمال مثل «عمارة يعقوبيان» ورواية «بنات الرياض» إلى اللغات الغربية؛ لأن موضوعاتهما اعتمدت على الإثارة وهو ما يبحث عنه الناشر الغربي لضمان الإقبال على ما يقدمه في الساحة الغربية، ويرى أن جائزة البوكر العربية تترجم كل عمل يفوز، ومن المؤسف أن يكون الاهتمام فقط بترجمة عدد محدود من الراويات، ومن ثم غض الطرف عن إنتاجات مهمة في الثقافة العربية، ولدينا الشعر، والمسرح، وإنتاجات ضخمة في العلوم الإنسانية، لكن القارئ الغربي لا يهتم بهذه النتاجات الوفيرة في الساحة العربية، ولا أعول على الغرب في ترجمة الثقافة العربية، لكنني أعول على مؤسساتنا التي يجب أن تدعم الناشر الغربي، أن نعقد شراكات معه بحيث نتحمل جزءاً من تكاليف الترجمة، لكي نغير هذا الواقع الذي يؤرق جسد الثقافة العربية.
ويذكر الدكتور شحدة فارع، أستاذ الترجمة في جامعة الشارقة، أن الاهتمام بترجمة الكتب العربية في الغرب لا ينقطع؛ لأن في تراثنا العربي ما يمكن أن نقدمه للآخر، لكن المشكلة تكمن في غياب مؤسسات تبني جسراً مع الآخر، حتى يتم نقل الصورة الصحيحة عن الثقافة العربية والإسلامية، بخاصة أن الاتجاه المعاكس في الترجمة هو الأكثر رواجاً لدينا، ويلفت إلى أن الثقافة الغربية قامت على الترجمة من العربية في العصور الوسطى، لكنها انحسرت الآن لهيمنة الغرب على العالم، ومن ثم تجاهل ثقافة الآخرين.

نمط الراوية
ويشير رفاهيل كوهين، مترجم إنجليزي، إلى أنه من الضروري تشجيع المترجمين الغربيين ودعمهم مادياً، بخاصة أن عددهم قليل، والخبرة في مجال اللغة العربية محدودة؛ لأنه لا يوجد تعليم للغة العربية في المدارس الغربية، وأن معظم الترجمات التي نقلت عن العربية كانت بجهود فردية، مؤكداً أنه ترجم لأحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» والكاتب اللبناني جورج يرق «حارس الموتى» ومحمد سلماوي «أجنحة الفراشة»،ً مبيناً أنه ترجمها لكي يتعرف الآخر على نمط الراوية العربية، ولأن لغة الأدب عالمية والجميع يستمتع بها، وأن الغرب يبحث عن نماذج ناجحة في المنطقة العربية، لكن يحتاج الناشر الغربي إلى دعم حقيقي من العالم العربي، حتى يزداد عدد الكتب المترجمة، في ظل غياب المنتج العربي الفكري في الثقافة الغربية في الفترة الحالية.
وتقول الطالبة حفصة عتيج الفلاسي، تدرس في قسم الترجمة في جامعة الإمارات: إن هناك أسباباً كثيرة لعزوف الغرب عن ترجمة النصوص العربية، تتمثل في عدم وجود مترجمين عرب في أوروبا وأميركا، ومن ثم دور نشر عربية تهتم بنشر ثقافتنا هناك، مقارنة بما يتم ترجمته من الثقافة الغربية في مجتمعاتنا، وتلفت إلى أن هناك بعض الكتاب العرب الذين نجحوا في تقديم أعمالهم باللغات الأجنبية، لكن ذلك غير متوفر للكثير من كتابنا لأنهم لا يجيدون الكتابة على هذا النحو، وتشير إلى أنه من الضروري أن تكون هناك مبادرة عربية يكون لها صدى في الغرب لتحريك الماء الراكد، ومن ثم وضع حل لهذه الإشكالية المعاصرة بطريقة علمية منظمة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©