السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حواجز الجوائز الأدبية

حواجز الجوائز الأدبية
7 فبراير 2019 02:01

صارت الجوائز الأدبية التي زادت مؤخراً في وطننا العربي مقصداً وهدفاً يسعى إليه الكاتب، فهي بوابة العبور الرسمية للعمل الأدبي إلى عالم الشهرة والتسويق والاهتمام النقدي. وتعددت وتنوعت الجوائز العربية، ما بين جوائز قومية تمنحها بعض الدول لمبدعيها، ودولية تفتح أبوابها للكتاب العرب من المحيط إلى الخليج. وما جعل الجوائز تنال كل هذا الاهتمام، هو أن لبعضها قيمة مادية كبرى مثل جائزة نجيب محفوظ التي تقدمها الجامعة الأميركية بالقاهرة، والجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الشارقة للإبداع الأدبي، وجائزة العويس في الإمارات، وجائزة البابطين، وجائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت، وجائزة الملك فيصل العالمية في السعودية، وجائزة الطيب صالح بالسودان، فضلا عن مسابقات تلفزية في الشعر مثل «شاعر المليون» و«أمير الشعراء».

فهل باتت تلك الجوائز وغيرها، هي التي تحدد ذائقة الجمهور؟ هل أصبح الكتّاب، واقعين تحت سطوة الجوائز واستلاباتها المادية والمعنوية؟
حول هذين السؤالين، استطلع «الاتحاد الثقافي» آراء عدد من المبدعين العرب:

شخصانية
يرى القاص والروائي المصري منير عتيبة المشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية أنه عادة لا يرفع سقف توقعاته، ويقول: الأعمال البشرية لابد أن يشوبها النقصان والانحياز بقدر أو بآخر، وفي مجال الإبداع الذي لا نستطيع إغفال الذائقة الشخصية عند تقييمه، يزداد مقدار الشخصانية فيه، والجوائز عموما عربية وغير عربية (ولنا في نوبل مثال واضح) تمثل انحيازات واضحة أو خفية، لكن بعضها يضع حدا أدنى للجودة والبعض لا، والجوائز العربية بها المزايا والعيوب نفسها، بعضها يبدو أكثر موضوعية وحيادية وبعضها أقل، ومع ذلك لا نستطيع الاستغناء عن وجود الجوائز، فهي دافع أدبي ومادي للمبدع والناشر، ودليل معقول للقارئ، وتساعد على الاهتمام بالإبداع وترويجه.
ويتابع: أنا لا أترفع عن التقدم للجوائز إذا كان لديّ ما يناسب شروطها وأظنه يستحق الجائزة، وفزت بالفعل بجوائز مثل جائزة الدولة التشجيعية وجائزة اتحاد كتّاب مصر وغيرها، ولم أوفق في جوائز أخرى عديدة تقدمت إليها، وأتعجب ممن يشاركون في مسابقات ثم يرفضون نتائجها، إما أن يفوزوا أو تكون الجائزة غير موضوعية وغير حيادية وغير نزيهة إلخ.. لأنني أرى ببساطة أن لجنة تحكيم الجائزة هم مجموعة من المتخصصين يلتقون في مكان وزمان معين لمناقشة أعمال محددة والاختيار من بينها، وتحديد الفائز، ويمكن أن يتغيّر الفائز إذا تغيّر شرط المكان أو الزمان أو تشكيل اللجنة أو عدد وطبيعة الأعمال المقدمة، فالفوز هو فوز بتلك الشروط يعطي الجائزة لكن لا يعطي قيمة أدبية أعلى ممن لم يفز، كما أن من لم يفز ليس أقل قيمة في رأي آخرين، وهذا يجعلني أتقبل الفوز أو الخسارة ببساطة عادة. لقد تقدمت لجوائز، وشاركت في تحكيم أخرى، ونظمت من خلال مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية جوائز، فكأنني عرفت الجوائز من المقاعد المختلفة التي تتعلق بها، وهو ما يجعلني أدعو أن نكون بقدر الإمكان حياديين وموضوعيين نعطي الجائزة للعمل لا للشخص أو الدولة أو المذهب الفكري الذي ينتمي إليه.

أهواء
من جانبه يرى الروائي الأردني سمير أحمد الشريف أنه لا يشك أحد بما للجوائز الأدبية من أهمية كبرى في الوقت الحاضر، ويقول: كنت أرى الجوائز في السابق أكثر أهمية وغنى، خاصة عندما كانت دول المركز الثقافية في الستينيات والسبعينيات كالقاهرة وبيروت وبغداد، تمنح جوائزها للكتّاب، رغم أن القيمة المادية للجوائز كانت متواضعة مقابل الحضور الاعتباري والتشجيع المعنوي. ويضيف: يحضرني في هذا السياق مقولة كانت تتردد في الأوساط الثقافية كثيرا «القاهرة تؤلف ولبنان تطبع وبغداد تقرأ». وعد المقارنة نتحسر ونقول أين نحن مما كنّا.
وبسؤاله عن العلاقة الذهنية التي تربط إحصائيات الكتب بالجوائز يرى الشريف أن وضع الكتاب عندنا يعكس حالة التردي التي تعيشها الثقافة ويعاني منها توزيع الكتاب وتهميش الكاتب. وعن مصداقية الجوائز يقول: لا توجد مصداقية كاملة، كيف لا وقد دخلت فيها أهواء المحكمين وتوجهات السياسة والتوازن الجغرافي ورضا المنظمات الدولية؟ وفي الجانب الموضوعيّ، يتسرب الشك لمصداقية الجوائز التي لا يتجاوز عدد هيئتها عن أصابع اليد الواحدة في حقل الرواية مثلا ويعرض عليها ما يزيد عن 150 نصا يطول ويقصر، والمطلوب إعطاء الحكم في هذه النصوص خلال شهر، ومن المعروف بداهة أن الرواية تحتاج لقراءتين لتقييمها في أدنى الحالات فما بالك والنص ينتظر تقييما دقيقا ومحايدا لنيل جائزة مردودها المادي يعشى الأبصار؟
ويتساءل الشريف متحسرا: أي مصداقية نرجوها وبلد لا يتجاوز عدد سكانه الملايين العشرة يفوز في دورات متتابعة، ودولة سكانها بالملايين ولا تفوز؟ أمام تردي الحال للكتاب العرب، خصوصا غير المطبلين، يكون الدافع للتقدم لمثل هذه الجوائز بهدف مادي وتحقيق للشهرة وربما تحويل النصوص لمسلسل أو فيلم أو مسرحية. وهذا الدافع قد يدفع بالكاتب لإنجاز نصه بما يتلاءم مع شروط الجائزة ورضا المحكمين والجهة المانحة.
ويواصل الشريف: إننا أمام ما ذكرنا من معطيات، نقول بصوت عال إن معيار التقييم لا يكون دقيقا عندما تسلط الأضواء على المنجز بوضع المضمون في إطار الاهتمام الأول والأعلى في التقييم مع إغفال الجانب الفني والتقنية الحديثة ومستجدات النظريات النقدية، فهل تقبل الجائزة المضامين الصارخة في نقد الواقع وتقييم الشخصيات العامة ونبش المسكوت عنه؟ لماذا نرى الجوائز تفتح المجال للمكرسين والمشهورين ومن نالوا نصيبهم من النجاح والشهرة أصلا؟ أليس من الواجب ألا يشترك فيها من نال فوزا سابقا وتعطى الفرصة للأجيال الجديدة الشابة والتجارب المعاصرة؟

حظوظ
وبسؤال الروائي الشاب مصطفى الشيمي الذي حصل على عدد من الجوائز الأدبية عن مصداقية الجوائز الثقافية في العالم العربي قال: «جئت من الجنوب، لا أعرف أحدًا، ولا أحد يعرفني، ومع ذلك كنت محظوظًا بالفوز بأكثر من جائزة أدبية. نعم. أعتقد بناء على تجربتي أن ثمة مصداقية للجوائز، وأنها تقوم بدور هام في تقديم أعمال مميزة، قد تختلف الأذواق، وقد يثار الجدل، لكن مثل هذا الجدل صحيّ في اعتقادي.
ويضيف: التشكيك في مصداقية الجائزة يرجع، في كثير من الأحيان، إلى خسارة المبدع. أتفهم ذلك. لا أحد يحبّ الخسارةَ، وإن كنت أحبّها أحيانًا لأنها تدفعني للغضب وكتابة نص أفضل، وأعتقد أن احترام حكم لجان التحكيم قيمة مفتقدة، مع الوضع في الاعتبار أن الذوق هو الحاكم، والذوق نسبي ومتغير. القاعدة التي أؤمن بها هي: الجائزة التي لا تثق بها لا تشارك فيها، إذا قمت بالمشاركة فعليك أن تحترم قواعد اللعبة.
وبسؤاله عن اهتمامه بالجوائز الأدبية، وهل سيواصل التقدم إليها يرى الشيمي أنه في بدايات الكتابة، كان يتقدم للجائزة لأنها البوابة الوحيدة أمامه، وأنه لا يريد نشر عمل لا يقرأه أحدٌ، الجوائز تلفت الأنظار إلى الكاتب، أو العمل، وكان بحاجة إلى ذلك، ليس صكًا للاعتراف، فالمبدع مبدع من قبل الجائزة وبعدها، لكنها دفعة إلى الأمام. هذا الدافع لا يزال حاضرًا اليوم، لكن المنافسات صارت أشرس، وبالتالي صارت لذة اللعبة أكبر، وبالطبع لا ينكر الشيمي الدافع المالي وراء التقدم للجوائز الأدبية.
وحين سئل عن الجوائز كمعيار لنجاح العمل الأدبي رأى الشيمي أن الجوائز معيار لنجاح العمل، لكنها ليست المعيار الوحيد. الحديث هنا على المركز، بيد من؟ الناقد أم القارئ؟ من يمتلك السلطة ليقرر إذا كان هذا العمل جيدًا أم لا، إذا كانت الإجابة أن الناقد هو من يمتلك السلطة، فالسؤال هو أي ناقد؟ قد يختلف ناقدان حول عمل فني واحد، وقد لا يرى القارئ أي جمال في هذا العمل، خاصة إذا كان العمل متمردًا على القواعد أو يحتاج إلى خبرة جمالية عالية أو من نوع خاص. وهناك العديد من الأعمال التي آمن بها القراء بعد مرور وقت، فولتير على سبيل المثال، وهناك أعمال أيضاً قد تسبق الجوائز أو النقد بخطوة.

بريق
وباستطلاع رأي الناقدة الجزائرية نسيمة بوصلاح عن مدى مصداقية الجوائز الأدبية في العالم العربي، رأت أن الجوائز الثقافية كالجوائز في أي حقل علمي أو فني تتأثر مصداقيتها بالهيئات المنظمة لها وتوجهها العام سياسيا وأيديولوجيا، كما تتأثر أيضا بالنزوع الذوقي للمحكمين فيها، وكذلك بمستوى المشاركين، لذلك فالحديث عن مصداقية الجوائز الأدبية هو كمثل الحديث عن الصدق في الأعمال الفنية، نسبي جدا وغير قابل للقياس. إذ لا يمكن لهيئة منظمة ذات توجه أيديولوجي ما، أن تمنح جائزة لعمل فيه تناقض مع منظومة قيمها الإيديولوجية مهما كان هذا العمل متفوقا أدبيا، بل ويحدث هذا أيضا على مستوى الحكام أنفسهم، إذ يتغلب عليهم توجههم الإيديولوجي في الانتصار لعمل ما أو استبعاده من جائزة معينة، دون النظر إلى جودة العمل الأدبية.
وتضيف بوصلاح أنه وكما يعرف الجميع أيضا فالأدب مدارس، لذلك غالبا ما ينتصر المحكمون للذين يدغدغون ذائقتهم المدرسية، على حساب التجريب... في حين أن التجريب هو المطلب العزيز جدا لأي عمل فني وأدبي. ولا يمكنني أن أتحدث عن المصداقية في منح الجوائز دونما تطرق إلى نقطة حاسمة هي المحاباة أو الإقصاء المبنيين على مواقف شخصية من هذا الكاتب أو ذاك، فهو موجود ولا يمكن بأي شكل من الأشكال إنكاره أو تجاهله، لذلك فالحديث عن المصداقية في منح الجوائز الأدبية هو تماما كالحديث عن العدل بين الزوجات.
وبسؤالها عن استعدادها للتقدم إلى جائزة ما في مجال النقد مثلا وهي الناقدة التي شاركت في تحكيم بعض الجوائز الأدبية العربية ترى بوصلاح أن كل كاتب يحب أن يشعر بأنه نال استحقاقا ما وتتويجا عما يقوم به.
وتضيف: لست أذكر من قال «اكتب لسنتين مجانا وإذا لم يطلب منك في السنة الثالثة أن تكتب بمقابل فعليك أن تتوقف عن الكتابة..». الجائزة لها بريق معنوي ومادي لا يمكن لأي كاتب مهما ادّعى أن يصرف النظر عنهما، فأن تعتلي منصة محفوفا بالتصفيقات متوجا عملك من بين آلاف الأعمال المشاركة في حقل أدبي ما لهو أمر في غاية الروعة والتميز ولكنه أيضا لا يعني أن هذا العمل هو الأميز. يفترض بمن خبر الفن والأدب أن يعرف أنه ليس سباق خَيل، وليست الجوائز لعبة كراسي موسيقية فيها رابح وخاسر وفيها رقم واحد واثنان وعشرة وألف، الكاتب الذي يعرف كنه الكتابة جيدا يعرف أن تميزه ليس بربح جائزة أو بكونه رقم واحد ولكن بخروجه عن كل التصنيفات وبكونه بصمة غير قابلة للتكرار أو التشبه بغيرها. ثمة أعمال نالت جوائز كبرى لم أستطع تجاوز الصفحة 15 في قراءتها، وثمة أعمال لا يعرفها جمهور الشغوفين بالأدب أدت بي إلى إلغاء محاضراتي لأجل إكمال قراءتها، لذلك أمر الحصول على جائزة أدبية مسيل للعاب والحبر معا، لكنها ليست أبدا ختم جودة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©