لست أدري إن كانت تلك من حكمة الصمت الذي يحول من دون الوقوع في الهذيانات ومن دون إدمان السفر للمرافئ الموصدة والوقوع في شباك المضاربة بالقرارات، أن تكون أغلب الاتحادات الكروية العربية قد أحجمت عن أي تفكير استباقي، بشأن مآل دورياتها المتوقفة مع سبق تحرش من جائحة «كوفيد- 19»، لأن ما نسمعه كل يوم من الاتحادات الوطنية الأوروبية، هدر فعلي لطاقة الصبر، ولعب بالأعصاب، ولهو بمصائر كروية معلقة.
فيما عدا بعض التواشيح العابرة والمختزلة، فلا اتحاد كرة عربياً بالغ في قراءة المشهد الكروي المصاب، كغيره من المشاهد، بنوبة التوقف، فلا سيناريوهات ولا لغو ولا مزايدات، لأن ما يهم بالأساس هو أن تتخلص البشرية من هذا الوباء، ولأن أولوية الأوليات هي صحة الناس وأمنهم الجسدي، قبل الفكري.
أتعبنا تعقب أخبار الدوريات الأوروبية الكبرى، بين من يُصرّ على ضرورة استكمالها لأنه تحقيق للعدالة، وإنقاذ لما بقي من صروح مالية متهالكة، ومن يقول بتجميدها أو توقيفها، لأن التخلص فعلياً من آثار الجائحة يحتاج لأشهر، وليس لأسابيع.
قررت رابطة الدوري الاحترافي ببلجيكا، بشكل استباقي، أن تعتمد نادي بروج بطلاً وتعلن نهاية الدوري بلا أدنى مماطلة، ولقيت إزاء ذلك ما لقيته من عتاب ووعيد وتهديد من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وبالأمس قرر الاتحاد الهولندي لكرة القدم وقف الدوري بلا قيد أو شرط، لأن شروط السلامة لاستكماله تحت أي ظرف تكاد تكون منعدمة، أما الدوريات الخمسة الكبرى والتى تسجل بفعل التوقف خسائر مالية مرعبة تتورم أرقامها كل يوم، فهناك أمل، حتى لو كان واهناً وضعيفاً، أن تصفو الأجواء، وتتخلص البشرية من الجائحة الملعونة، وتعود الكرة للدوران، حالة من الترقب المشوب بالخوف من أن ينهار الصرح من أساسه.
يظن الأوصياء على كرة القدم في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى، أنهم يمثلون أولوية في مجتمعاتهم، كيف لا وأنديتهم تتبارى على القيم في البورصة، وتمثل عائداتها المالية جزءاً لا يستهان به في الناتج الخام، إلا أن هذا الظن خاب، ورجال الدولة يخرجون من جحورهم، الواحد بعد الآخر، ليقولوا ما شكل صدمة موجعة لهؤلاء، فوزير الصحة الإسباني لا يرى أن بمقدور الليجا أن تقيم الحواجز الصحية المانعة لتسرب الفيروس، لذلك هو متشائم من عودتها، والوزير الفرنسي للرياضة لا يرى أبداً أن الخروج التدريجي لفرنسا من الحجر الصحي يوم 11 مايو، سيمكن من إطلاق التدريبات الجماعية لأندية كرة القدم، ولربما سيكون اجتماع رابطة المحترفين بفرنسا، اليوم، إعلاناً عن توقيف الموسم الكروي، وبإيطاليا وألمانيا وإنجلترا لا شيء يثبت على لون أو على قرار، فالمجهول الذي يحيط اليوم بكرة القدم، هو بظلمة وقوة الفتك التي جاءت بها جائحة «كوفيد- 19».