طالب تقرير صدر منذ أسبوعين للأمم المتحدة، بأهمية أخذ الحكومات «الرفاهية العاطفية» للناس على محمل الجد، لأن إهمالها سيؤدي إلى تكلفة اجتماعية واقتصادية طويلة الأجل على المجتمع، وذلك في سياق رصدها انتشاراً مطرداً لأمراض الاضطراب العقلي حول العالم، بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد عموماً. وتوقعتُ أن أجد بعد ذلك بعض التقارير التي سترصد معنى ونوعية «الرفاهية العاطفية» بشكل أكثر بحثاً ودراسة، غير أن ذلك لم يحدث على مدى الأسبوعين الماضيين، ولكن كيف ذلك، وأمامنا أرقام فارقة في حالات الاكتئاب، وعدم التركيز والتوتر والقلق والعصبية والانتحار!
بالتأكيد أدى العزل المنزلي، وما تبعه من فقدان التواصل الاجتماعي الطبيعي مع الأسرة والأقارب والأصدقاء، من مضاعفة القلق الناجم عن الخوف من عدوى المرض والقلق بشأن فقدان العمل وغيرها، إذ كان ولا يزال للدعم الاجتماعي الذي يلقاه الإنسان من أحبائه وقت الأزمات الدور الأساسي في الصمود؛ غير أن ما يحدث فعلاً، أن توقُّف الناس عن ممارسة ما اعتادوه من أمور اعتقدوا طويلاً أنها تجلب السعادة لهم، يلعب دوراً أساسياً في تعاظم حالة الضعف والهشاشة، وخصوصاً لدى الأجيال الأقل عمراً، تلك التي لا تعي دور الدعم الاجتماعي القوي في مثل هذه الحالات.
عندما كان يطرح سؤال حول مؤشرات ارتفاع الرضا الذاتي والاستمتاع لدى الأفراد، غالباً ما كان الرد يرتبط بعوامل مادية خارجية، كالسفر والتسوق وحضور عروض السينما، وشرب القهوة في الباحة الخارجية للمقهى المفضل، وغيرها من الأمور التي فقدناها وقت العزل، المثير فعلاً أن أموراً كهذه قادرة على التأثير فينا، لدرجة أن عدم ممارستها قادر على الإخلال بتوازننا العاطفي، ويثير فينا جنوحاً نحو الاضطراب والاكتئاب!
لا أعتقد أن من ارتبطوا بنوعية رضا ذاتي وأسباب متع روحانية وفكرية عانوا الأعراض ذاتها، فالإيمان والصحة النفسية هما الداعمان الأساسيان للرفاهية العاطفية المقصودة، وشعور الناس بالرضا في العموم غير مرتبط عضوياً بوقت الوفرة أو الأزمة، كونه عملية طويلة الأمد وعميقة جداً، تمنح صاحبها حصناً منيعاً متعاظماً مع الوقت، قد يبدو الطلب من الحكومات لأخذ معيار الرفاهية العاطفية محمل الجد «مهماً»، غير أن الأكثر أهمية وعقلانية بالفعل، أن يدرك الأفراد ذلك، ويأخذوا الأمر على محمل الجد.