مجبوراً أن تسير أينما أخذتك قدماك، وأنت مبرقع الوجه، مشدود خلف أذنك خيط بلاستيك يعصر آذانك مثل مصيدة عصافير قديمة، لا يعرفك أحد ولا تعرف الوجوه المجبرة على أن تجرب لبس البراقع والأقماع، وكأن هذا الوباء الخبيث قد أحكم سيطرة إخفاء الوجوه.
ليست تجربة جديدة في الصحراء العربية أن يسير الإنسان جسداً عريضاً وطويلاً من دون أن تعرف ملامحه، خصوصاً في الصحراء، فقد قطع العربي والبربري من الطوارق الصحارى بوجوه يلفها القماش، ولا يبرز منها سوى العينين. بل إن عزة الرجال وقوتهم وفخرهم أن يكونوا من أولئك الملثمين الأشداء الذين يقطعون الصحارى بعزيمة وقوة الرجال، قاهري الرمال والرياح والحرارة الشديدة. أن تكون رجلاً جسوراً متحدياً للبيئة الصعبة، هو أن تكون ملثماً قوياً بذراعك وعزيمة قطع الرمال والكثبان الكثيرة العالية الصعبة، أو تقطع الفيافي بجمالك وخيلك، لا تخاف الظلام ولا الضواري ولا المرض، فأنت محمي بكمامة قوية غليظة تمنع الرمال والغبار والريح، فما بالك بفيروس غريب يأتي الآن باسم جديد.
إن كان الموضوع من البدء أن تلبس كمامتك وتخرج، فإننا السبّاقون في صنع الكمامات والبراقع وقبول التحدي حتى المرأة الصحراوية، هي الأخرى من زمن بعيد وهي بكمامتها /‏ برقعها ونقابها، ما الجديد في أن تغطي وجهك بقماش وتخرج؟
المفاجأة والرعب الإعلامي والتفنن في حجر الناس وشل قوتهم ونشاطهم، وهزيمة الكثير منهم والتي تجاوزت هزائم الحروب، والخوف وارتعاد الفرائص الذي أقعد الجميع في بيوتهم وعطَّل مصالحهم، وهدم اقتصادهم، حتى بات الاستمرار في الموت البطيء هو نهاية كل شيء، إن استمر الحال.
وحدها الحكمة والمنطق والتحليل السليم أعادت الحياة إلى طبيعتها، وإن كانت بالتدريج، وهي نعمته أيضاً، أما دعاة الخوف والرعب والهزيمة الداخلية للناس وتجميد كل شيء، فبعد عدة أشهر ظهر واضحاً أن أفكارهم ودعواتهم، هي دعوة إلى الموت البطيء وتعطيل البناء، وإعادة الناس إلى الجمود، وتكريس واستسلام لهذا الحدث الخبيث والمرض القاتل.
هكذا دائماً؛ لا يمكن أن يترك لدعاة النكوص والخوف والهزيمة أن تسود أفكارهم. كل شيء يحتاج إلى العزيمة والإقدام والتقدم إلى الأمام، مهما عظم الخطر. لم تُبنَ المدن ولم تعمر الحياة إلا بعزيمة الرجال واقتحام الصعاب.
ولنا في المثال العظيم الذي قدمه الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عندما تحدى أن يحول الصحراء إلى جنّة خضراء، ولم يذعن أو يستمع لرأي أولئك الذين نعتوا الصحراء بأنها لا يمكن أن تكون خضراء وزراعية، ولكن الرؤية والرأي البعيد والحكمة كانت هي الصائبة.