في المساء، وعندما يصبح الزمن رمادياً، تجلس الأم متوسطة أطفالها، تشع عيناها ببريق الأمل، وتحكي للصغار عن قصص بعضها أقرب للخيال، عن ما بعد كورونا.
وتفيض لغتها بسيل هائل من المغريات، والمثيرات، والمدهشات، تقول لهم: سوف تنجلي الغمة عن قريب، وسوف نذهب معاً إلى المول، ونختار أهم المطاعم، وسوف نتناول أشهى المأكولات، ثم نعرج على أشهر محلات بيع الملابس، والماركات العالمية، وبعد ذلك نذهب إلى أماكن اللعب، وسوف تتمتعون هناك، وتتسلون، ثم نخرج من المول، ونذهب إلى الشواطئ الجميلة في المدينة، وهناك سوف تلتقون بالبحر، والذي يحتضن الطيور بمختلف أنواعها، ثم نعود إلى المنزل، لنخطط لليوم التالي، لرحلة إلى حديقة الحيوان، وهناك سوف تتمتعون برؤية الحيوانات التي تحبونها، وسوف تشترون أصلاب الموز، لتقدمونها هدية إلى القرود، والتي ستكون بانتظاركم، تتقافز بمرح، وبهجة، سعيدة بقدومكم إلى الحديقة بعد غياب طويل.
ولم يزل الصغار ينصتون بلهفة وشغف، إلى حديث الأم الودي، وترقص الابتسامات العفوية على محياهم المضاء بمصابيح الطفولة، وعند فراش النوم، ينط الصغار وقد امتلأت قلوبهم الغضة بالفرح الغامر، ويستعيدون كلام الأم، بغبطة وسرور، ناسين ذكرياتهم عن العزلة، والمكوث في المنزل لفترات طويلة.
وفي الصباح الباكر، وعند شروق الشمس، يستعد الصغار ليوم جديد، اكتسى ثوب الفرح الخيالي، وتهيأ كل واحد منهم ليروي الحكاية لأقرانه عبر شاشة اللابتوب، وقبل بداية الحصة الدراسية، ليكون التعليم عن بُعد، فرصة لاستدراج الخيال أكثر، واستدعاء قصة الليلة الفائتة، وبثها لزملاء الدراسة، وقبل أن يسمعوا صوت المدرس أو المدرسة اللذين يحثانهم على الانتباه، والدخول في صيرورة الدرس المقرر.
هذه حكاية تتكرر في كل يوم، وعلى الأمهات أن يكنّ على استعداد، لاستقبال حزمة من الأسئلة التي قد تكون مرهقة ومملّة، ولكن هذا شر لا بد منه، إنْ أردنا أن نغيّر من رتم الحياة اليومية التي فرضها كورونا على الجميع، وأصبح من الواجب على كل أم وأب أن يكون جندياً مثابراً، يقف في الصفوف الأولى لإزاحة قهر الوباء عن كاهل الصغار، والذين لم يستوعبوا بعد معنى أن يحافظ الإنسان على صحته، وصحة غيره، باحتفاظه بأكبر قدر من الصبر، والالتزام بالقوانين التي فرضت عليه من أجل حمايته، والمحافظة على حياته.