أفصحت جائحة كورونا عن ذلك المخبوء في وجدان الناس، وعن ذلك المتسرب في ثنايا القلب، وعن ذلك المعشوشب في الحنايا، والطوايا، والسجايا، والمزايا، والنوايا.
ذلك هو ما ترعرع، وتفرع، وتوزع، في خلايا الروح، ونما في الوجود شجرة عملاقة أذهلت من رأى وسمع، ومن تابع واطلع على إبداع الأرواح السخية، والنفوس العطية والقلوب الثرية، والعقول الزهية. لقد كشفت هذه الجائحة عن أن سماء الإمارات صافية وأن سحاباتها ممطرة، وأن بحارها تكتنز الدر النفيس.
ما شاع الخبر، وانتشر الأنين في المكان والزمان، حتى هرعت قوافل الخير، تخب في صحاري الناس أجمعين، محملة بإكسير الحياة، لتشفي وتكفي الشعوب المغلوبة من ضنك الشر المستطير، وتنثر قمحات الحياة في مشرق الأرض ومغربها، من دون اصطفاف، أو إجحاف، أو التفاف، وإنما كانت الهبّة من أجل درء الخطر، وكبح جماح المرض عن صدور العالمين.
لقد أثبتت الإمارات اليوم أنها الدولة الأفخم في مجال التعاطي مع الآخر، وأنها البلد الأعظم في الشفافية فهي بلسم، وميسم، ومبسم، وهي شرط الوجود، وواجب التجويد، في صياغة العلاقة مع العالم، أثبتت الإمارات أن الحب عندما يتسع مثل المحيط فإنه لا يدع للريح أن تعبث بالمراكب، ولا يترك الطير وحيداً من دون بوح يدوزن نغماته، ليشيع اللحن الجميل في الكون.
الإمارات أكدت وبثقة أنها اللغة الوحيدة في هذا العالم، التي أصبحت قواعدها قاموساً لقصيدة لا تكسر أوزانها، ولا تخل في بحورها.
الإمارات في هذا الراهن الرهيب أيقظت في سبات العالم، رعشة الانتماء إلى الحب، كسبيل يؤدي إلى النبع، وطريق يأخذ الناس إلى مناطق العشب القشيب.
الإمارات في هذا الألم، أيقنت أنه لا مصل إلا مصل الحب الذي يدرأ الخطر، ويمنع الخطأ، ويشعل شمعة تضيء الدروب إلى عافية الحياة.
الإمارات في هذه المحنة الكونية، كانت المنطقة المضائة بالأمل، والمسفرة بالتفاؤل، كانت شمساً تخاطب الأرض عبر خيوط ذهبية، منعت القماشة البشرية من التشقق، وخاطت وجدان الناس، بأهداب أملس من الحرير، وطلعت من بين الأمم، شهاباً يلمع ببياض السريرة، ونصوع القريرة.
هكذا تعاملت الإمارات مع الحدث الوخيم، بكل نجاعة، وبراعة ونبوغ وبلاغة الفصحاء، والحصفاء، وأكدت أنها القدرة الفائقة في ساعة المحن.