رمضان شهر الخير والبركة والإيمان، ندعو الله أن يعيده علينا والإمارات ترفل بالخير والأمل والتسامح، وندعو الله -أيضاً- ألا يعيد بعض المسلسلات الرمضانية التي طُـلِىَ أغلبها بصبغة الانتقام، لا سيما ذلك الذي يسحق علاقة الأخوة والأكثر قرباً في منازل القلب وغرفه العميقة، المسلسلات هذه تحمل عناوين جاذبة، أو ممثلين أتقنوا أدوارهم، فوظفوا الشر بمنطقٍ لا يحتمل الجدل، وأقنعونا بأن في الثأر حكمة ومتعة وعدالة، وشاع صيتها ومديحها، ما جعل البعض شغوفاً بالحوارات والدسائس، ومرتبطاً بالسالفة حلقة بعد حلقة، حتى أصبح لتلك المسلسلات حيز ينافس الحياة، ونقطة بداية للغزو الفكري. 
في النصف الأول من الشهر الفضيل، تزدحم الأحداث لتحشد ذاكرة كمية وازدواجية الحب والكراهية، العدالة والظلم بين إخوة اختلفوا على الميراث، وتوفر هذه التفاصيل للمشاهد إيحاءات تجعله يفكر ويبتكر أساليب الانتقام المناسبة لهذه الشخصية أو تلك، ويكون المشاهد شريكاً صامتاً ينتظر ليلة العيد، ليعرف الوسيلة التي لم تبررها سوى غاية إثارة الحقد والعداء المبطن والتحالف بين الإخوة وأصحاب المقاصد، وهو تحالف يخالف الإيمان والعقيدة ويهدف للهدم والتناحر، إذ تبدو هذه المسلسلات وكأنها تحاكي واقعاً حقيقياً للبعض، فقد انخرط الناس في تفاصيلها وتبنوا قضاياها، ولفت نظري ما صرح به أحد الممثلين بأنه تلقّى ما معدله 10 مكالمات يومية، يهدده فيها المتصلون بأنهم سينتقمون منه، وسيأخذون حق من ظلمتهم الشخصية التي يتقمصها في المسلسل؟ يا ترى ما هو سر إقبال المشاهدين على مثل هذه المسلسلات، لا سيما في عصر كوفيد 19؟
في تلك المسلسلات يسود الفساد؛ فهناك من يقتل بدافع الفلوس، وهناك من يتخلص من الجثث بسهولة، ومناظرٌ لم نألفها نحن جيل الفيلم الهندي الذي تُبدد موسيقاه ورقصاته تحديات الحب والصراع الدائم القائم بين الخير والشر، ومن باب الفضول أدخلت كلمة «الانتقام» في محرك البحث جوجل، فكانت النتيجة 50.500.000 موضوع، ومن أولوياتها ما عرض مع صور توضيحية، شرحت 15 خطوة مثالية لكيفية الانتقام من أي شخص، وفي موقعٍ آخر كيف تنتقم من الآخرين بذكاء!. 
للعارفين أقول: علّمَنا أهلنا وموروث أجدادنا، كما تعلمنا من الباني المؤسس الشيخ زايد -طيب الله ثراه- وقيادتنا الرشيدة بأن الخير أجمل بكثير من أي شيء آخر وعَدْوَتُه (ليست كعَدْوَة كورونا)؛ بل له طمأنينة ورغد عيش في جنة تسمى الإمارات، سنظل صامدين لا تغير قيمنا عواصف الكراهية، وإن تمحلست لنا في صورة مسلسل لتكون لها قوة ناعمة وخفية تسلينا بالعنف، وتجعل من تنافر الأرحام شيئاً لا بد أن نعتاد عليه، فتدمجنا في عالمٍ يبتعد عن الحب والتسامح والاحترام والحوار.. والدراما رسالتها زرع التراحم والسكينة والجمال في نفوس وعقول الجيل الصاعد، الذي هو نصف الحاضر وكل المستقبل.