هل يعيد العالم النظر في عنصرية اللغة ومعانيها الدارجة على ألسن الناس؟ هل مقتل جورج فلويد ذي البشرة السوداء على يد شرطي أبيض، كفيل بدفع علماء اللغة والاجتماع إلى الغوص عميقاً لقطع الجذور العنصرية المتأصلة في اللغات والأوصاف التي اعتادت البشرية أن تلصق اللون الأسود بها، وهي في الغالب معان وأوصاف للشر والكراهية والحقد والموت، هل لهذه المشاعر حقاً لون أسود؟ هل للحاقد قلب أسود؟ ونيات سوداء؟ وقس على ذلك الكثير من الرموز التي تضع الأسود في خانة الشر، مقابل الأبيض كرمز للخير. هذا التمييز الواضح على مستوى اللغة والرمز، ظل يتراكم في الثقافة الإنسانية، ويتمدد ويتفرّع في أنماط ومتشابهات لا نهائية، وامتد الى عصرنا الحاضر حيث يتم ابتكار المصطلحات السيئة وإلصاقها باللون الأسود. الصندوق الأسود، الحصان الأسود، القائمة السوداء، السوق السوداء... إلخ.
ترى هل يحق لهؤلاء المتظاهرين ضد العنصرية في الغرب، أن يخاطبوا الجامعات ومعاهد اللغات كي تلغي هذا النوع من الرق اللغوي في المصطلحات والأوصاف، وأن تجبرها على تسمية الأشياء بمعانيها الحقيقية؟ الكثير من الدارسين طرحوا فكرة البدء أولاً بإلغاء العنصرية من اللغة، كونها هي التي تشكل طريقة تفكيرنا وتؤثر في نظرتنا للأشياء. وإذا كان تغيير اللغة صعباً، على الأقل يمكننا استبدال المصطلحات وتغيير المسميات بالتدريج، وفتح بصيرة الناس كي يروا أن في الأسود أيضاً عمقاً وصفاء ورونقاً وجمالاً يضاهي الأبيض تماماً.
شخصياً، أتمنى أن تتصدى جهة ما لإلغاء المصطلحات العنصرية، كمبادرة تنويرية من الإمارات. كأن يتم حصر المسميات التي تكرّس العنصرية ضد اللون الأسود من مثل القائمة السوداء، والسوق السوداء وغيرها، ومنع تداولها في الخطاب الإعلامي والثقافي والإلكتروني، مقابل وضع بدائل جديدة لها أكثر تحضّراً.
تفجّر الأوضاع في الغرب ضد العنصرية اللونية، هو نتيجة حتمية لتاريخ الاستبداد الفكري والعنصري الاستعماري المقيت، هناك جمعيات وأندية للبيض رسّخت على مدى عقود خطاب الكراهية ضد الإنسان الأسود، بعضها لا يزال قائماً حتى اليوم. وهناك الآلاف من الدراسات التي قامت بتفكيك بنية هذا الخطاب، فيما تولت دراسات أخرى رصد المظاهر العنصرية في المصطلحات اللغوية ومسمياتها. ولكن لم تبادر أي دولة حتى الآن إلى تبني مشروع تبديل هذه المسميات، وإلغاء التعامل بها.