إنه كون جديد يتشكل، وعصر جديد يبزغ، وإنسان جديد يولد. هذه هي الحقيقة فبعد كورونا، لن يكون الإنسان كما هو قبلها. سيخرج الإنسان الجديد من رحم القديم، وسوف يشرق الحب بديلاً للخوف.
لقد خرج الإنسان القديم من الأفكار، والنظريات والأيديولوجيا، وكانت هذه هي ورطته مع الخوف، وهذه محنته مع التفكير في الحياة، وكأنها أزمة خلق وأخلاق، أما بعد الكورونا، وبعد الزلزلة التي هزّت أركان الوجود، وهي الأشبه بالانفجار الكوني الأول، فسوف يتألق الإنسان الجديد متأزراً عاطفته الجيّاشة، ذاهباً إلى الحياة بأكسير الحب. هنا وفي هذه القفزة الكونية سوف ينتج العالم الجديد، سوف تخرج من ثنيات الفزع الأكبر، والدهشة المذهلة، ثيمة الزمن البشري الجديد، سوف يخرج العالم من شرنقة الأنوية المهلكة، ويذهب إلى الـ (نحن)، سوف يذوب الجليد وتتحطم الصخرة الصلدة، ويجري النهر باتجاه الأشجار، ويعم الأرض العشب القشيب.
ليس هذا خيالاً، بل هو حقيقة التوازن الطبيعي للخلق، فقد صدأ الإنسان القديم، ونحل عظمه، وشابت ذوائبه، ولم يبق له ما يستطيع فعله، وهو متشبث بالنظريات القديمة التي أثقلت كاهله، وأعيت رأسه، وجعلته يسير على الأرض مثل ديناصور منقرض، وكأنه ضلّ طريقه إلى منطقة الزوال.
اليوم تأتي جائحة كورونا، لتطرق على الأبواب بأحراس اليقظة، وتشعل الشمعة، وتشير إلى الإنسان لتقول له: لا تنظر إلى إصبعي، بل انظر إلى القمر الذي أُشير إليه.
الإنسان الجديد فهم المعنى من حدوث هذه الكارثة الكبرى، وبدأ يلملم شتاته، ويخفض من السعرات الحرارية للغضب العارم الذي كان يلفه، وبدأ في الالتفاتة إلى الحاضر، بدلاً من التوقف عن الماضي، أو البحلقة في سبورة المستقبل، والتي هي خاوية، وبلا معنى، طالما بقي الإنسان يتقن قواعد النحو، ولا يفهم كيف تصبح اللغة حيّة عندما يريد التواصل.
إنها لغة الوجدان، وليست لغة القواميس والكتب المعطاة من أفواه مجانين الأفكار العدائية، وسلوك الغاب.
الإنسان الجديد سوف يخرج من تحت تراب الحادثة الأليمة، وسوف يعانق الحياة، بقلب لم يتلوث بغبار الماضي، ولا بفوضى المستقبل، إنه إنسان الحضور الحقيقي، والوعي الخارج من الروح، وليس من ملاءة العقل المخادع.
الإنسان الجديد، سوف يعيد قراءة الواقع الإنساني من جديد، وسوف يجعل الخوف من الملمات حباً يستقبل الألم برحابة صدر، ومن الداء سوف يستخرج الدواء.