بعض الناس لازم «يتكندمون» من الحياة الحديثة، لأنهم يظلون نائمين في العسل، ولا يواكبون ركب التحدث والتعصرن، فتجدهم وحدهم سابحين في فضاء لم يقدروا أن يخرجوا منه، حيث توقفوا هناك، وحين يتذكرون أوجاعهم يدخلون عوالم جديدة عليهم بالأساليب القديمة نفسها، فلا العصر يشفع لهم، ولا مهارتهم غدت تسعفهم، لذا تجدهم حتى الآن ما ودروا عنهم قصص الأفلام الهندية الملونة، العرب تطوروا، ودخلت تقنيات جديدة على النصب، وأصبحت الطَلّابات يعملن بـ «الديجتل»، وتركن عنهن حمل طفل بائس على خواصرهن، وصدورهن دلعاء على أساس أنهم من المرضعات العجاف، والشحاذ لم يعد من الضرورة أن يكسر يده ليشحذ عليها، وذهب إلى غير رجعة زعيم العصابة التقليدي الذي يشبه «محمود المليجي» في الأفلام العربية، و«بران» في السينما الهندية، اليوم زعيم العصابة يشبه إلى حد ما الرسامين الإيطاليين.
وجماعة النصب ما قبل عصر استخراج النفط، بعدهم.. «والله رحنا في سفينة وغرقت بنا في البحر»! والعالم يتذكر آخر سفينة غرقت في سجل تاريخه الإنساني «تايتنك» أو مثل ذاك الذي يصيح أن والده يعاني من السل، ولا يقدر على تكبد مصاريف علاجه، والسل قضى عليه الإنسان منذ أكثر من خمسين سنة، وعلاجه لا يتعدى خمسة وسبعين درهماً، مشكلة حرامية أفلام الأسود والأبيض يحرجونك، ويستصغرون ما وصل إليه عقلك من معارف ومدارك، وما تعبت عليه من جهد لكي تفهم، وأن حيلهم البائدة ما ينضحك بها إلا على الذي «فاجّ نطعه» أو بعده يصدق قصص الأفلام الهندية التي تدور حول أخوين صغيرين في القرية، وفرّق بينهما القدر في أول الفيلم، وفي آخره يلتقيان في مدينة «بومبي» التي يزيد عدد سكانها على 16 مليون نسمة، الأول حرامي، والآخر شرطي!
الغريب أن مثل هؤلاء المتأخرين يأتونك في زمن «الكورونا» يشتكون من أمراض منتهية صلاحيتها أو يريدون أن يبنوا مسجداً في «مالطا» ليؤذنوا فيه، حيث سجل آخر أذان فيها أيام هجرة الموروسكيين من الأندلس منذ أكثر من 500 عام، وبسبب الجائحة خرج هؤلاء من كهوفهم مستغلين الظروف دون أن يكونوا جزءاً من تلك الظروف، وما أسهل المسببات والسبب واحد، وهو «كوفيد - 19» الذي مر على بعضهم دون أن يتعرف عليه، منهم من يريد أن يسدد أقساط مدارس أولاده الخاصة، والشاهد أنهم يدرسون في مدارس حكومية، ومنهم من تعثر عمله الخاص، وعليك أن تدفع ضريبة هذا العطل الفني الخارج عن إرادته، والحقيقة هي أنك لا تعرف ما هو عمله الذي تضرر، وكيف يمكن لك أن تقدر الضرر، طبعاً الذين سرحوا من أعمالهم كثيرون، والعاطلون كثيرون، والناس بودها أن تفعل الخير، وتقدم يد العون، لكن لا تريد أن تدفع نقداً كما يطلب ويتطلب المستغلون، ولا تريد أن تستغبى بقصة من قصص الأفلام الهندية الساذجة، على الأقل يريدون أن يحترموا عقولهم التي تعبوا عليها لتبقيهم متوازنين في هذه الحياة، ولا يندمون على فعل الخير.