في الحياة والشعر أمضى العمر، محباً ومشاكساً وغضباً ومستَفَزاً، أرخى عن السنين الكثير من الاعتبارات، متجاوزاً المعنى المكرس في السلوك؛ تماماً مثلما قبض على نصه الحياتي وسلم له العمر كله، حتى أن غادر.
ثاني السويدي هو تجربة في الشعر الحديث لا تكرر أحداً، بل هي تجربة متفردة بذاتها وفي الوقت نفسه، تتماس مع مجايليها في العمق الإنساني والوجودي، حيث كتب الشعر، كما يعيشه، بكل انفلاتاته وتشظياته، حتى الرمق الأخير من حكاية الحياة.
انتماء إلى قصيدة النثر تحديداً، تلك الفتية التي شقت طريقها عربياً، منذ عقود، في بحر متلاطم بإشكاليات نمط الشعر وشكله، حيث كانت القصيدة العمودية في المشهد الشعري العربي في صراع مع قصيدة التفعيلة، وكذلك قصيدة النثر؛ وفي الإمارات كانت قصيدة النثر في الثمانينيات من القرن الماضي تعيش بداية ميلادها، وبدايات رسم خريطة تشكلها، حيث كتب ثاني قصيدة النثر مع مجموعة من مجايليه، من الذين انتهجوا هذا الشكل الشعري الذي أصبح بمثابة الخروج من وصايا الإرث الشعري المتراكم منذ مئات السنين، والالتفات بعين واسعة إلى الحياة بكل ما تحتويه من شغف ومتعة وخوف وحزن وجنون وقهر؛ الحياة بجمالها وقبحها.
وهو في الآن نفسه، الذهاب عميقاً داخل المعرفة، والبحث في مدى أهمية معان وأعراف كثيرة في الحياة، حيث دائماً ما تكون الاكتشافات تتبعها خسارات بالمعنى الاجتماعي، ولكنها هي انتصارات حقيقةً في المعنى الذاتي، عندما تتهاوى الأقنعة، وتكون المشاهد صافية لالتقاطها بروح محبة للشعر.
غادر ثاني، تاركاً الكثير من الذكريات، الكثير من الفوضى والكثير من الغضب، الكثير من الحب والكثير من الضحك الهستيري أحياناً، ذكريات تعود إلى زمن ما قبل القصيدة وبعدها، بين المشاغبات الصغيرة، بين القفز عالياً في مساحات ملاعب كرة اليد، حيث توالت الأهداف؛ ذكريات اللقاءات والكلام في الحياة، في الشعر، في الأسرة وأطفالنا، عندما كانت أحلامنا كبيرة، وعندما بعثرتها الرياح.
الذكريات في لقاءات الأصدقاء، الأصدقاء القادمين من العواصم والقرى، الأصدقاء، في معية الشغف بالحياة، بالشعر والأدب والفن، الأصدقاء ونحن نشهد غياب بعضهم ورحيل بعضهم عن الحياة، حيث كلما دنا من مجايلينا فراق، تغرغرت العين بالدموع؛ وها هو اليوم يومك يا صديقي، فهذا الفراق قد أتى، وها أنت قد رحلت، دون أن يسقط من معيتك الشعر، حيث كل «الأشياء مرت»، حتى أن «جف ريق البحر»، ومضيت إلى الغياب الأخير.