سأتئد قليلاً في خطاي إلى القمم، سأجعل الأيام تربّت قدميَ، والسنينُ تبتهجُ في الهبوب. سأحمل كاهلي لئلا ينوء بهم، سيرتطم الغبار بالشظايا ولن تجمعه الريح. سأكون امرأة من زجاج معجون بفولاذٍ معجون بإبريزٍ معجون بزعفرانٍ معجون بكبريتْ، ولن يكون عليَّ أن أتحد أو أنفصل! سأنخلُ المعاجم كي أجمع ما تشظى من سني العمر، وأقطف زهرات الفل والياسمين لأطرز بها فراشي. سأجتاز الشواطئ دون اجتياز البحر، وسوف يحتدم الهدير والموج يمضي في الضحك. سأجر السفن من صواريها لا لسببٍ فقط لأنها تأبى الوصول إلى شواطئ الأمان. سأكسر الأراجيل وأهشم الأباريق لتتساقط حبات الجمر كتساقط الندى. سأجعل السطوحَ أغواراً، وألتقط التغريد كالزمرد من فم الطير. سأمر على الصبايا الناضجات كالتفاح وأزنر نسلي باللؤلؤ والورد والياسمين. سأكتبُ بحبات اللوز، وأنثر الفستق على حروف القصائد.
ها هو الطير غافياً ينادي نهنهات الشعاع. وها هي العصفورة وحيدة تنادي رفيقاتها، وأنا لا صوت لندائي. سأسقي شجيرة الفل، وأجعل الأغصان تنوس في فتنتها عند التقاء الضوء بالظلال. سأكون أول من يخرج من القلق، وأول من لا يعود. 
سأنتقي التفاح وأزرع البذور. سأكتنز بالضوء بالأمل وحده، واليأس لمن يهبط
 مدارج ظلام اليأس. سأنقش الكلام بزهور الرازقي، وأطرز الهدوء بالرذاذ. سأعتقد
أن الهزائم كلها عزائم يقودها العمى! سأكتب بالماء وحده ليمحو حبر تواريخ الغزاة! 
سأقول ما يعنُّ لي وما أشتهي لتعثروا على ما تشتهون وتنقصف عصا الوباء.
سأخبر الطير أن السماء صافية والأنجم قطف يدي. سأقول للأفعى تريّثي فخفقنا خفيف ولست وحدك من يحمل السموم ولكنهم آلاف! 
قلت لقلم الرصاص لماذا خطك باهتٌ: قال وماذا عن الرصاص؟! 
سأمنع الأزهار من الذبول وأترجّى الأنهار والأمطار أن تدفق المياه في الصحارى والسهول. سأخبر النهار أن يشع كفضة وأسأل المساءَ أن يحضن المتعبين من قلق الزمان والأوهام والأمراض والحروب، لكنني سأعزف الآن كل صباح ومساء على وتر الأماني، ففي بلادي تصدح الأنغام كل يوم بألحان الأمل والمحبة والسلامة، وأجمل الترديد لأعذب المعاني. دوماً لم أكن أعرف وأتساءل: متى ومن أين ستطرق الآمال أبواب داري؟، مفاتيح أماني وأحلامي ضيعها وهم يأسي وانتظاري. ثم أدركت فيما بعد أن كل خطوة نخطوها ها هنا، وخطوة نخطوها ها هناك، تحتوي وتنساب وتحتوي في ثناياها عثرة أو نهوضاً. حتى بزغ الأمل مشعاً ناهضاً من خطى حكمة الإمارات التي غرست حبك في حنايا فؤادي لتبقين لي على مدى الأيام والأعوام فخري واعتزازي يا بلدي!.