الناس طرائق، وتضاريس، بعضها وعرة إلى حد الانسداد، وبعضها سهلة كأنها النجود. عندما يتحول الفرد منّا إلى حفرة سوداء، فإنه يعيقك، ويعرقلك، ويحيق بك، ويمنعك من الوصول إلى ماء النبع.
عندما يكون الفرد مثل غابة موحشة فإنه يخيفك، ويملؤك بالفزع من مخلب ما قد يبرز من بين أحشاء الغابة. عندما يصير الفرد مثل موجة عارمة، فإنه يجزعك، ويرهبك، ويطيح مركبك، ويغرقك في أعماق سحيقة لا قاع لها. عندما يصبح الفرد شوكة في الخاصرة، فإنه يؤلمك، وينتزع النوم من بين جفونك، ويسهرك، ويقلقك، ويزعجك، ويجعلك مثل فراشة حائرة، تحوم في جوف زجاجة مغلقة.
عندما يرتاب الفرد من الحوار مع الآخر، فإنه يصبح مثل عربة خربة، لا تبارح مكانها، وتظل هامدة، جامدة في مكانها، بينما عجلة الزمان تدور، وتلف لفيفها، عندما يبدو الفرد مسافة بين قارات متنائية، فإنه يفصلك عن العالم، ويجعل من عقلك مثل قشّة على ظهر موجة.
عندما يبدو الفرد مثل سلحفاة، تبحث عن الماء في محيط يختبئ خلف جبال من الوهم، فإنه يمحقك، ويسحق فيك الأمل، ويجعل حياتك صحراء قاحلة، لا فيها ماء ولا زرع، إنه يأخذك إلى تصحر يتلوه تصحر، وما بعد التصحر تنمو فيك أعشاب شوكية، توخز فيك ضميراً، يبدو مثل إسفنجة، تمتص الماء ولا يصيبها البلل.
عندما يبدو الفرد مثل نخلة بلاستيكية، يجعلك تتأمل ما بعد الفراغ، يجعلك تنتظر كثيراً من اللاشيء بأن يمنحك شيئاً. عندما يتحول الفرد إلى لغة غامضة، يجعلك تتحدث مع أصم، أبكم، أعمى.
عندما يتحول الفرد إلى حكاية خرافية، يجعلك تقرأ قصة، ليس لها ثيمة، ولا هوية، ولا معنى، يجعلك تمارس الحديث مع النفس في لحظة إغماءة.
عندما يتحول الفرد إلى فقرة ضائعة يجعلك تبحث عن فقرة في عمودك الفقري، تجشّأت عظمتها. عندما يتحول الفرد إلى زائدة دودية، يرغمك على السعي للتخلص من آلامها. عندما يتحول الفرد إلى حبة رمل تحت الجفن، فإنه يعميك، ويدميك، ويمنعك من النظر إلى الوجوه كما هي. عندما يتحول الفرد إلى شوكة في قاع القدم، فإنه يعرقل ذهابك إلى الحقيقة، إنه يعيق مشيتك، فتضطر للتقوقع، والبحث عن مكان الألم، ولكن في هذه الحالة، تكون القافلة قد شربت من الماء العذب، وبقيت أنت تلحس الحثالة.
عندما يتحول الفرد إلى عجل له خوار، فإنه يشوه فيك حاسّة السمع، ويمنعك من التذوق، يمنعك من التشوق إلى جمال الأشياء.
عندما يتحوّل الفرد إلى كتلة من جحيم الأوهام، فإنه يطفئ الأنوار في وجهك، ويجعلك تهيم في الظلمات، ولا ترى سوى شبحك. عندما يتحول الفرد إلى قشرة متعجرفة، على صفحة محيّاك، فإنه يغبش مرآتك، ويحوّلها إلى جدارية بلهاء قاتمة.