عندما حلت سنة 2000 قالوا وقالوا، وقالوا ما قالوه خوفاً بأن أرقام الثورة الرقمية ستقف ضد بعضها، وقد يؤدي ذلك إلى فوضى لا يمكن الخروج منها، أو العودة لكل ما هو طبيعي في عام 1999، وتغيرت المفاهيم فالحسابات، لا سيما في لغة الرقمنة الإلكترونية والتعاملات المصرفية وحركة الطيران، وطموحات المستقبل المختلفة لم يطرأ عليها أيٌ من تلك التوقعات، ولكن، اختلاف جوهري حدث في عائلتنا في ذلك العام، فقد أنجبت زوجة أخي توائم من البنات، تشابهن في يوم ولادتهن وملابسهن، واختلفن في كل شيء آخر. 
مرت السنون، وترعرع التؤأم في جوٍ يسوده الحب، وكعادتنا عندما نحاول إسعاد الأطفال، كنا نصطحبهم إلى الدكان، وذات مرة قلت لعلياء وعوشة: «البسوا نعالكم بوديكم الدكان»، فقلن بصوتٍ واحد: «ياهالناس بوكي وين؟»، فسألتهن عن ماهية ذلك السؤال، فكان الرد أجمل من ما توقعته، فقالت عوشة: «أمايه دوم تدور بوكها قبل ما تودينا الدكان»، وقالت علياء: «يمكن أمايه ما تعطي عموه بوكها؟»، فقلت بسرعة: «ليش أنا ما عندي بوك؟»، فقالتا: «ياهالناس بوك عموه وين؟»
في الذاكرة هذه اللحظات المحورية من مواقف الحياة، فمنذ ذلك الوقت إلى الآن لا تسكن النيطان ذات الصفرين في محفظتي، وهذا لا يعني أن ذات الأصفار الثلاثة تعشعش فيها!، دفع ذلك أم خالد لشراء محفظة جديدة، أهدتها لي بعد أن وضعت بها خمسمائة درهم، وقالت ضاحكة: «عائشة، حطيت لك بهانس لتحفيز الطاقة الداخلية فتحفاظ محفظتك الجديدة على الفئات المرجوة من الدرهم»، فرحت كثيراً بالمحفظة، فقد كانت رائحة جلدها أخاذة، وبعد انقضاء أسبوع على استلامي للهدية، قمت بزيارة أم خالد ومعي رطب خنيزي من زراعة بن ثالث؛ أثناء الزيارة أثنيت على المحفظة وعلى طاقتها الإيجابية، فأخرجتها لأعطي صديقتي بطاقة عملى الجديد، وتفاولنا وتقهوينا وسولفنا، وعندما كان وقت الرحيل بحثت عن محفظتي فلم أجدها حتى وجدت نفسي أسألها ذات السؤال: «ياهالناس بوكي وين؟»، بعد قليل جاءت مربية الأطفال وفي يدها بقايا المحفظة، التي علكها كلبهم الصغير الجديد، فهو لم يفرق بينها وبين قطعة الجلد التي تعود اللعب بها.
يقول المثل الشعبي «المال في المال والمسَلِمْ الله»، ومثل آخر يؤكد لنا أن «الخسارة هي خسارة الروح»، تعلمت من الحياة والذكريات، أن كل الفلوس قد تذهب وتعود إلا فلوسي بها عزة نفس إن ذهبت لا تعود! الآن لا أبحث عن محفظتي، بل عن التوأم الذي سرقته مني تفاصيل الحياة، ولا تعوضني ملايين الدراهم عن لحظة أقضيها معهما؛ وشكراً للذكريات.