هذا ما تفعله القراءة بنا، زحزحة الكثير من القناعات التي نعتقد - وبشكل جازم - أننا لن نتغير بشأنها. بالتأكيد، لم تكن مصادفة، أن أقرأ رواية «الغريب» للروائي ألبير كامو بعد انتهائي من قراءة العدد الأول لمجلة «الفيلسوف الجديد»، والتي كانت قد صدرت في أبريل الماضي- مجلة أعدكم بالعودة إليها مستقبلاً، كونها مطبوعة قيمة جداً تستحق الإشارة - فأن تقرأ لأهم الكتاب المؤثرين في القرن الـ 20 متبني نظرية العبث واللاجدوى، وأن تقرأ عروضاً لأهم فلاسفة العالم القدامى والمعاصرين حول «معنى الحياة» في صفحاتها الـ 126، لهو أمر في غاية الإثارة.
تدور أحداث الرواية التي قادت كاتبها «كامو» لنوبل ليكون ثاني أصغر روائي حصل على هذه الجائزة فرع الآداب، حول رجل كان يعيش الحياة كيفما اتفق، غير مبالٍ بأي شيء، ولا ينتمي لأي شيء على الإطلاق، ورغم استمتاعه بالعيش على هامش الحياة بكل هدوء وسلام، وتخليه التام عن فعل أي أمر مغير لشؤون حياته أو حياة من يرتبطون به، فإنه يتورط في عملية قتل عبثي لا معنى لها بتاتاً، وهو ما يذهب به إلى محاكمة تنتهي بقرار الإعدام، لتنتهي الأحداث في انتظار سقوط شفرة المقصلة. والحقيقة أن الرواية مثلت تماماً الأدب العبثي، الذي يدور حول أشخاص لا يجدون معنى لوجودهم، فيعيشون ضمن أحداث متتالية لا معنى لها، وسردها بطريقة ساخرة وغير منطقية، ولكنها عارضته في الوقت ذاته بطريقة ضمنية!
كان يمكن للرواية أن تمر بهدوء، لولا مزامنة قراءتي لها باطلاعي على مجلة الفيلسوف الجديد، وتحديداً تلك المقالة المعنونة «العقوبة القصوى» - المرفقة بخريطة توضح أنواع عقوبة السجن المؤبد حول العالم - وتدعو في خلاصتها إلى إلغاء عقوبة «السجن المؤبد»، من منطلق حقوق الإنسان واستحقاقه لفرصة حياة جديدة، وهو تماماً ما كنت أشعر بتقاربه تماماً مع توجه «ألبير كامو» في روايته برفضه حكم الإعدام، ولعله من الداعين لذلك - كانت فرنسا من أواخر الدول في العالم المتقدم، التي ألغت هذا الحكم عام 1981- وهو ما جعلني، بشكل شخصي، أتوقف حائرة ومراجعة لأفكاري التي طالما اعتقدت أني مقتنعة بها تماماً!