قبل سنوات قليلة، قررت الإمارات أن هذا الجزء من العالم ليس منذوراً للنزاعات والعواصف السياسية فقط، كما أنه ليس موطناً أبدياً لليأس، وأن العرب مؤهلون لاستئناف حضارة عظيمة، قدمت للبشرية إنجازات لا تنسى، وكل ما ينقصهم الثقة بالذات، والأمل، والدافعية الإيجابية، ثم استلهام روح العصر، كأمة منتجة، وليست مجرد أسواق لاستهلاك منتجات الأمم المتقدمة.
كان لا بد من إلهام كبير، يجعل الطموحات أكبر من الواقع، وأكبر من كل الصور النمطية التي ترسخت في أذهان الآخرين عن العرب. وكان لا بد من بناء قاعدة صلبة لنهضة علمية، قوامها الأساسي القوى البشرية المتعلمة والمؤهلة، القادرة على تشكيل روافع قوية، لمشروعات حضارية، تلفت الأنظار إلى عقود طويلة من الاستثمار في التعليم، وبناء إنسان القرن الحادي والعشرين، القادر على الاشتباك مع تحديات العصر، وتحويلها إلى مكاسب حقيقية، تجعل أي طموح ممكناً وقريباً.
من الإمارات التي تكتب، دون كلل، قصة نهضة، منذ نصف قرن، بزغ شعاع الأمل، قبل أقل من سبع سنوات، ولم يكن شعاراً تسويقياً أننا نريد استئناف حضارة أجدادنا، والإسهام في ثورات العلوم المتتالية، فلا يمكن لأمة أن تدعي أنها جزء من حركة التقدم الإنسانية، ما لم تسهم فيها وتضع بصمتها إذا كانت تؤمن بذاتها وقدرتها على النهوض ومنافسة الكبار في مسارات العلوم، والوثوب الواثق إلى المستقبل.
مسبار الأمل الإماراتي العربي الذي انطلق إلى المريخ، يصنع تاريخاً جديداً، سيقف عنده المؤرخون طويلاً، لقراءة ما حدث في بلادنا التي اختارت أكثر مشروعات الفضاء صعوبة وتعقيداً بالوصول إلى الكوكب الأحمر، وها هو مسبارنا ينطلق إليه قبل مسبارين تعتزم الولايات المتحدة والصين إطلاقهما هذا الشهر إلى المريخ، علماً بأن دولاً قليلة تمكنت من اجتياز هذا الاختبار، لأن مثل هذا النوع من الرحلات يتطلب استعداداً علمياً طويلاً، ومراعاة ظروف فضائية ومناخية دقيقة.
سيقف المؤرخون عند دولة عربية صعدت في خمسين عاماً فوق كل مؤشرات التنمية وأرقامها، وصعدت بتعليمها وشبابها إلى آفاق مكنتهم من صناعة مسبار يحمل تطلعاتهم إلى المريخ والمستقبل. سيقفون عند دولة، آمنت قيادتها بقدرات شعبها، فمنحته أقصى ما يمكنها، ليكون مزهواً بماضيه وحاضره، ومستقبله. فلم ترتهن الإمارات لفقدان الدوافع في هذه المنطقة، إنما صنعت كل فارق على الأرض، وفي الفضاء.
صنع شبابنا «مسبار الأمل»، وسيراقبون صعوده من مركز محمد بن راشد للفضاء، ويتحكمون في مساره من «دار زايد»، وحين يحط، بإذن الله، على سطح الكوكب الأحمر في فبراير المقبل، تزامناً مع مرور خمسين عاماً على تأسيس اتحادنا، سيرفع أبناء الإمارات وبناتها الإلهام العربي إلى أقصاه، بأننا قادرون على هزيمة كل مستحيل، وقادرون على إضافة فتوحات علمية جديدة عن خصائص الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، ومؤمنون بقدرتنا على إنجاز التحول إلى اقتصاد المعرفة وعلوم المستقبل.
نحن من يصنع الحدث اليوم في العالم، ولا كلمات تصف ذلك. رحم الله زايد، كم كانت أحلامه كبيرة، وحفظ الله قيادتنا، وهي تجعل من كل حلم حقيقة.