وجدت في الذي حكاه ديفيد بيتوني المساعد الأول لزين الدين زيدان، مدرب ريال مدريد المتوج بطلاً لليجا، في حوار له مع صحيفة «ليكيب» الفرنسية، ما يكمل لوحة الفسيفساء التي وضعتها في مخيلتي رسماً لشخصية زيزو، منذ أن قرر الرجل أن يقف على دكة البدلاء شامخاً شموخ الجبل الذي مثله لنا وهو يبدع على أرضيات الملاعب.
لكي تكون مدرباً جالباً للسعادة ومصمم ألقاب، فلا يكفي أن تكون مهندساً لوصفات تكتيكية لا تطالها معاول الهدم الدفاعية، ولا يكفي أن تتنقل مرناً بين المنظومات التكتيكية وتجيد قراءة منافسيك، ولكن لابد أن تضيف إلى كل هذا ما جاء به زين الدين زيدان، ومثل لكرة القدم الصنف الحديث للمدرب، أن تكون لك شخصية نافذة وأسلوب يعطي الحياة دوماً لكل الذين يحيطون بك، وبخاصة للاعبيك، وأن تتسم بالشجاعة في حماية مملكتك من كل ما يتهددها من غارات.
قال مساعد زيدان: إن زيزو كان يعرف جيداً خطورة العودة إلى ريال رحل عنه أسطورته رونالدو، ولكنه، لإيمانه بمغناطيسه العاطفي وبجاذبيته الإنسانية، نجح في جعل الفريق برمته تحت جناحيه، ليحلق على ارتفاع مبهر فوق كل الجبال البركانية، فوق الغضب المشتعل في الضلوع نتيجة الجفاف، الذي انتشر في الحقول البيضاء بعد رحيل الدون، فوق التشكيك المفرط بعلامات ورموز الإبداع التي جعلت من الريال سلطان أوروبا لهذا الزمان، وفوق كل سحب النقد التي ينشرها العدميون في سماء الملكي.
لم يبدع زيدان أسلوب لعب ولا منظومة يقارع بها «التيكي تاكا» الكتالونية، ولكنه أبدع نمط حياة وأسلوب تعايش وسلوكاً جماعياً هو ما جعل الانتقال يكون سلساً بين الشاكلات، وهو ما جعل كل الميلادات تكون جميلة وطبيعية برغم عسر المخاض. لقد نجح زيدان في إبداع فلسفة مستحدثة في نظام التدبير الفني للفريق، حيث يعلو ما هو ذهني على ما هو بدني وما هو تكتيكي، فمتى ملك المدرب لاعبيه ولم يتملكهم، متى فرملهم ولم يكبح جماحهم، متى أطلق لهم العنان ليبدعوا من دون أن يسقطوا في المحرمات التكتيكية، متى أخذ منهم ما يريد، وزيدان نجح بالمجموعة التي قال الكثيرون إنها شاخت واستنزفت وفقدت الحافز، في الظفر بلقب الليجا، برغم ما اعترى بدايات الموسم من تقلبات.
الثقة والشجاعة والصبر ثلاث صفات اجتمعت في زيدان فانتهت به إلى ما هو أهل له، أن يكون رجلاً يكتب التاريخ الصفحة بعد الأخرى، ويصوغ المجد بعد الآخر، ويسافر متحرراً في أعماق ذاته ليهدينا كل ما هو جميل.
الآن فقط فهمت لماذا هو رائع زيدان، لاعباً ومدرباً.. إنه رائع بإنسانيته.. ومن منحه الله هذه النعمة كان صانعاً للسعادة وجالباً للفرح.