منذ أسبوعين، حضرت جلسة نقاشية أقامتها «مؤسسة بحر الثقافة» حول فيلم «ستموت في العشرين» الذي حصد ما لا يقل عن دزينة من الجوائز العالمية - بعضها مُنحت للمرة الأولى في تاريخها لفيلم عربي - كان أغلبها لمخرج العمل السوداني «أمجد أبو العلاء» ولكاتبه الإماراتي «يوسف إبراهيم». لست هنا بصدد الكتابة عن الفيلم -الذي يمكن أن يثير حوله أكثر من مقال- ولكني أود مناقشة تجربة علينا الاستفادة القصوى منها ونحن في وقت نشحذ فيه قوانا استعداداً للذكرى الخمسين في دولة الإمارات، كونها - في رأيي - لا تقل أهمية عن باقي مشاريعنا الاستراتيجية الكبرى التي توليها حكومتنا الرشيدة كل الاهتمام.
إنها تجربة «أمجد أبو العلاء»، ذلك الشاب الذي ولد في الإمارات لأسرة عربية متعلمة، قصدتْ مدينة «العين» بغرض البحث عن فرصة اقتصادية أفضل لها، ثم ألحقت أبناءها بمؤسسات التعليم في الدولة ليحتكوا بخبرات إماراتية وعربية متباينة لم يكونوا ليحظوا بها في مكان آخر. ثم ليتخرجوا ويذهبوا بأحلامهم وطموحهم في جهات عدة بعضها- للأسف - بعيد عن الإمارات، غير أن بعضهم يبقون على صلات وثيقة هنا ليقيموا أعمالاً مشتركة ومميزة مع الإماراتيين، حاملين معهم امتنانهم وتقديرهم لهذا الوطن. أتساءل هنا: أين هذه التجربة وأمثالها من استعداداتنا للاحتفال بالذكرى الخمسين لإنشاء دولتنا الاتحادية؟!
تقريباً لم أجد حواراً مع ذاك المخرج إلا وكان حريصاً على ذكر أنه ولد في العين وتعلم في جامعة الإمارات، وفي أحاديث أخرى كان يشير إلى تدربه على يد بعض من الكوادر الإماراتية في مجالات عدة، ومنها المسرح، أضف إلى ذلك إشاراته لبيئة الدراسة المميزة التي مكنته في كلية الإعلام من كاميرا سينمائية لأربع سنوات كاملة في غرفته بالسكن الداخلي، وتباهيه بإنتاجه أعمالاً شارك فيها عبر كليته بمهرجانات طلابية في العالم. حتى أنه عندما بحث عن من يصوغ فكرته في الفيلم «المأخوذ عن قصة لروائي سوداني» استعان بكاتب «إماراتي» مما سمح لاسم الإمارات أن يكون له نصيب من هذا الإنجاز العالمي. ما أجمل هذا الأمر الذي كان سيتوج لو أن التمويل إماراتي، وخصوصاً أن لدينا مؤسسات معنية بذلك!
لو بدأت بكلمة -حبذا- فلن أنتهي، ولكني سأختم بهذه الفقرة التي أتمنى أن يعيها جميع القائمين على المؤسسات المعنية بإنتاج مُخرج ثقافي. لقد تمكنت الإمارات خلال العقود الخمسة الماضية من أن تحوز تقدير العالم واحترامه على إنجازات ارتكزت أساساً على الاستثمار في بناء الإنسان، عبر جهود لا تحصى لتمكين الإماراتيين ليقدموا صوراً حضارية جميلة للدولة، غير أنها في هذا الطريق وعبر سيرة طويلة وكريمة، قدمت بالمثل لأبناء العرب الذين كانوا- وسيبقون- كأبنائها. وهو ما علينا استثماره جيداً كقوى ناعمة متحققة بالفعل «ليقولوا قصصهم غير المحكية» في يوبيلنا الذهبي.. وبكل السبل.