لهو يوم يشرق بذكاء ديكارت الرياضي، وحنكة ابن رشد واهب التفكير العقلي لأوروبا، وصاحب الحقيقتين، وروسو الحالم بعالم من غير أفكار مسبقة، والباعث على أمل أن يكون لفطرة الإنسان القول الفصل في صناعة غده.
جميل أن نبدأ، والأجمل أن نؤمن بأن بيد الفلسفة مفاتيح الوعي، بعالم يفرد أجنحة الأسئلة ومن دون تزمّت، أو تعنّت أو سوداويّة.
جميل أن يحظى الجيل الحالي بما لم يعثر عليه سابقوهم في كتبهم، وهذا شأن هذا الوطن الذي حلّق عالياً، أجنحته في السماء، لينظر من يريد أن يستهل يومه بسؤال المعرفة، ويشق طريقه إلى حيث تكمن الحقيقة، إذ قال أحدهم: «الحقيقة تحرّرك ولكن كيف تصل إلى الحقيقة، إنه التأمل، ولكن ما هو التأمل؟ إنه تفريغ العقل من الأيديولوجيا لتصبح فارغاً، لأنه عندما لا يبقى على مرآتك ذرّة من الغبار، تستطيع أن ترى وجهك الحقيقي، وجهك الحقيقي هو الحقيقة». هذه هي الفلسفة، إنها مرآتك وحقيقتك، التي تقودك إلى أسئلة الحياة من دون التفاتة إلى الوراء، ومن دون النبش في قبور الأفكار الميّتة، لقد سئم سقراط اللا حقيقة، فلجأ إلى الحقيقة، وتحمّل أعباءها ونتائجها المأساويّة، وذهب سقراط، بقيت فلسفته في أذهان العالم، وصارت المشعل الذي قاد أفلاطون لجمهوريته المثالية، وكذلك فتح لأرسطو منطقه الصوري، وكل من جاء بعده كان لسقراط عليه أسبقية طرح الأسئلة، ومهما اختلف معه الأحفاد من فلاسفة العالم، فإن سؤال سقراط عن الحياة، والتخلص من الخرافة، كان الخيط الرفيع الذي دلّ الباحثين على الضوء إلى تلك النقطة البلورية في أحشاء الوجود، ومن ثم سارت القوافل بدءاً من اسبينوزا الذي نفته عائلته إلى كيركجارد، الذي قال: «من لا يستطيع أن يكشف عن نفسه لا يستطيع أن يحب، ومن لا يستطيع أن يحب فهو أتعس إنسان على الإطلاق». وانتهاء بسارتر الذي صرخ في وجه منتقديه قائلاً: «الوجود اختيار، وعدم الاختيار، عدم الوجود».
لأن الإمارات أصبحت اليوم خيط الضوء الذي يقود إلى الاستنارة، فإن طرح الفلسفة في منهج فلذات الأكباد يمنحنا الفرصة في قيادة العالم من حولنا نحو أسئلة تخص الإنسان وعلاقته بالآخر، كطرف لا تبنى الحقائق بدونه، ولا تشيد الحضارة من غير هذا التلاحم بين بني البشر، من دون تصنيف، أو تحريف، أو تسويف.