عندما يتعلق الأمر بعزف كروي يكون أحد وتريه إنجليزياً، نفهم كيف أن اللحن لا يأتي منساباً، والمسرح خال من جمهور أنفاسه الساخنة، وهي ما يبعث الحياة في مسرح العرض، لذلك قدرت أن تأتي المواجهة بين مانشستر سيتي وريال مدريد باستاد الاتحاد في إياب الدور ثمن النهائي لأمجد الكؤوس الأوروبية، وهي تلعب خلف الأبواب الموصدة، مفتقدة لمحركات البهجة، للآهات التي تهيج اللاعبين، وتدفعهم إلى طرق أبواب المستحيل، ولكنني إزاء هذا كله توقعت أن تكون المباراة نزالاً شطرنجياً يبرع فيه المدربان جوارديولا وزيدان في تحريك اللاعبين لحماية مملكتهم التكتيكية، سحر غير مكتمل، ولكنه يغري بالإقبال على مشاهدة المباراة.
كان جوارديولا يعرف أنه إن ضغط عالياً ليخنق شريان ريال مدريد، وإن ملك سلاح الاستحواذ وأخلص لمنظومته، فإنه لن يكون في منأى عن الخطر الداهم الذي يأتي من سلطان أوروبا، كلما أجاد إخراج الكرة من منطقة المناورة، فدون الريال لا توجد أندية كثيرة بإمكانها أن تسلبك رموش عينيك في لمح البصر بهجمات مركزة وسريعة إن أنت نسيت حماية ظهرك.
وأدرك زيدان أن أكثر شيء يمكن أن يطير النوم من عينيه، وهو يصاقر جوارديولا بذكائه التكتيكي الحاد، هو أن يطيل الجلوس في منطقته لصد إعصارات السماوي، ويتسبب ذلك في انكسار المنظومة الدفاعية، التي يصيبها الرشح كلما غاب عنها الجلادياتور سيرخيو راموس. 
ما قلته عند التقديم لما أسميته بحوار العبقريين، من أن الجزئيات الصغيرة هي ما ستكتب الفصل الأخير في الملحمة الكروية، هو ما سيحدث، فقد توقع زيدان كل شيء، إلا أن تسقط السماء فوق رأس مدافعه فاران، فيأتي بأخطاء قاتلة منها سجل السيتي مرة ومرتين، ليكرر فوزه على الملكي، ويعبر شامخاً إلى الدور ربع النهائي متخلصاً من ريال، وكلما تقدم في المسابقة التي تروق له طالت أظافره.
ليس القصد أن فاران هو من يتحمل وحده وزر خروج الريال من المسابقة التي يحفظ تضاريسها، وليس القصد أيضاً أن السيتي وهو يكرر باستاد الاتحاد فوزاً كان قد اقتنصه قبل أشهر في جولة الذهاب بالبرنابيو حقق تأهلاً بمحض المصادفة، ولكن ما قصدته أن النزال في نسخة الإياب كان مسرحاً لعرض كروي شاهدنا فيه فواصل من المعزوفة الفنية والتكتيكية، التي يبدع بيب جوارديولا في إبداعها، وهو يدقق في كل التفاصيل والجزئيات، كما شاهدنا عرضاً للتنويع التكتيكي الذي يتقنه زيدان، وفي النهاية التأهل للدور ربع النهائي، كان من نصيب من أجاد القبض على الجزئيات المنفلتة.
بما قدمه السيتي أمام الريال، من عرض قوي ومتوازن، فقد بات مرشحاً فوق العادة ليكون منافساً على اللقب الأوروبي، وشرط الوصول للهدف أن يكون متواضعاً في تقدير ملكاته الجماعية.