العشرات منّا ربما أصبحت لديهم اليوم خبرة المشاركة في أمسيات أدبية وفكرية على الإنترنت، وهو أمر لم يكن متاحاً، أو حتى متصوراً قبل أربعة أشهر، عندما كان شكل التواصل التقليدي هو السائد، وللحقيقة، فقد ظلت المؤسسات الثقافية تعاني من شحّ في الحضور لجميع فعالياتها، وبالأخص الأمسيات الأدبية والفكرية ذات الطابع الثقيل في الطرح، وبينما كانت مثل هذه الفعاليات تشهد حضوراً مميزاً في مراحل الثمانينيات والتسعينيات، وبأعداد كبيرة نسبياً، فقد تضاءل العدد تدريجياً، إلى درجة أن بعض الأمسيات الشعرية والندوات صارت تكتفي بحضور لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، وبعضهم من موظفي المؤسسة نفسها.
في السنوات الخمس الأخيرة، بدأ يكبر سؤال (الجمهور الثقافي) ومدى حضوره، وجدوى أن تقوم المؤسسات بأنشطة أسبوعية دائمة، مقابل حضور جماهيري بسيط ونادر، وهو سؤال سبب إشكالاً في طريقة تعامل المؤسسة مع طبيعة نشاطها الثقافي، وصار البحث عن طرق جديدة في التواصل أمراً ملحاً وضرورياً، ومع ذلك، لم يكن نشاط تنظيم الأمسيات على الإنترنت مطروحاً، كونه يفتقر إلى الروح والحميمية والتقارب العفوي بين الناس، لكن ما حدث مؤخراً من اضطرار المؤسسات إلى التواصل عبر الإنترنت، فتح الباب على مصراعيه لنوع جديد من التفاعل الافتراضي مع الثقافة بوجوهها كافة، ودفع بكثير من الجهات إلى التفكير جدياً في استثمار هذه البوابة الجديدة على الإنترنت، للوصول بنشاطها إلى شرائح بعيدة، في الداخل كما في الخارج، وقياس مدى تفاعل الجمهور مع كل نشاط، وحصر عدد المشاركين والمتابعين، والأهم أن هذا النشاط أصبح متاحاً في الزمن، ويستطيع كل من فاته النشاط أن يعود إليه في أي وقت. 
مع ذلك، لا ينبغي لمثل هذه الممارسة أن تصبح نمطاً ومنهجاً، فنحن بعد انتهاء تداعيات الجائحة المرضية، نحنُّ إلى عودة المهرجانات الثقافية التي تكتظ بالحضور، مهرجانات المسرح ومعارض الفنون والآداب الكبيرة، ونتوق إلى عودة المحاضرات الفكرية في أماكنها، حيث المشاركون والضيوف يلتقون وجهاً لوجه رفعاً لروح التواصل الإنساني الجميل، ولكن نريد أيضاً أن نجني ثمار التواصل الافتراضي للمشاريع التي تحتاج إلى هذا النوع من المشاركات.
تابعتُ مؤخراً أمسية شعرية افتراضية، فاق عدد من حضروها على الإنترنت، ألفي متابع، وهو رقم كبير جداً، ولذلك ينبغي على المؤسسات الثقافية أن ترسّخ هذا الحضور في أنواع محددة من البرامج والأنشطة، بحيث يتوازن الواقعي مع الافتراضي، خدمةً للثقافة المتنورة وانتشارها.