في البلاد التي تنهض بالعشاق والأشواق والحلم الجميل. في البلاد التي يصبح الغضب أطول من شوارعها، وأرحب من حدائقها، وآمن من لغط الطفولة، ومن دفء الأحبة والصديق. في البلاد التي عرش الصمت في خبزها والنخيل، في البلاد التي لا يصير كل شيء فيها سراباً ضليلاً، وكل شيء فيها يرفض التوجع أو يؤسس للمستحيل. كل شيء.. الضجيج الذي يرهج السابلة، السماء التي أرعدت ثم لم تمنح الأرض مفتاحها للهوى والهواء ورذاذ المياه والسلام المؤرج في لغة الياسمين. كل شيء فيها يرفض أن  يصير قاتلاً أو قتيلاً! إنني أسأل كل صخر: من يؤسس للبنان أفلاكه. من يمد الخطى للرحيل؟ في البلاد التي ترضع الناس آلامها. في البلاد التي تشرع أبوابها للدخيل. من يؤسس للطفل والبحر والعاشقين الأغاني، ويركبهم زورقاً أو يلوح بالقناديل إلى مرفأ أشعله الفتيل. إنني أسأل العشب حين يجف ويهزج في الصيف.
والعشب ينبت من صخرة تتدحرج ما بين قلبي وشاطئ بيروت. إنني أرى موجة تستريب فأرتاب، لكنني أرى بيروت لابسة ثوب أفراحها وخالعة ثوبها الدموي. 
وأسألها: بيروت أنت السماء العفية إذ تقبلين. وأنت المتاريس حين يرسمك القائمون على الأمر. هم يأمرون القنابل أن ترجم البحر، ويستأنفون الضجيج ورسم الحدود، والبحر يصرخ من خجل إلا هواك التضاريس. بيروت بين الهوى وفتنة تضاريسك يولد الشعراء وهواك قصائدهم. وأنت كطفل صغير يرسم أفراح عرسك الجميل. 
ها إن خيطاً رفيعاً من الغضب يمتد ما بين بيروت وأحلامها. هم يصنعون الخيوط الدقيقة لقتل الطفولة والفقراء ويأتمرون عليك وباسمك. بيروت ترضع سر الأغاني الخفية من شفة الفقراء فكيف تطال؟ وبيروت مفتاحها بيد الفقراء فكيف تنال؟ 
وبيروت تنهض الآن بالغضب والاحتجاج ضد صهيل الرصاص. وعشاقها يجدولون المصابيح ويشعلونها ويرددون الأغنيات التي بجمالها غطت سماوات الرحاب.. وبيروت تكبر وتكبر وترفض كل قطرة دم، وترسم خط القطارات إلى الحلم ورفيف الفراشات وتنذرنا للغناء الجميل.  
من يفتح القلب بحبك، ويقرأ وجهك الأبهى. ومن يكتب باللغة الخفية صوت عرسك وهو يهجس باحتمالات الوعود، وبالآمال مترفة وهي تهجس باحتمالات النهوض.. أدنى وأدنى نهوضك يا بيروت من جدران الحصار، واشتعال الحرائق وطعنة الظهر. ها إني من حزني عليك شققت ثوبي وتدفق كالنهر دمعي. فاستدرت أحادث البحر وأقرأ سر صبرك. والبحر من قيود العجز في لغتي، راح يرجني ويرجئني، مستنفراً صبري، حتى قيامتك البهية. فأنت قلب لبنان الذي ظل على مدار السنين والارتجاج والآلام أبهى وأبهى!