أتابعُ منذ سنوات مهرجان أفلام السعودية، الذي يديره صديقنا الشاعر السعودي أحمد الملا، بشغف ودأب وإصرار على الإنجاز، ورغم أن هذا المهرجان بدأ صغيراً في الإمكانات والمشاركات في العام 2008، مقارنة بمهرجانات ضخمة في دول الخليج العربي، إلا أن المفارقة هنا أن هذه المهرجانات الكبيرة الدولية والخليجية توقفت بالكامل، رغم علوّ إنجازها الثقافي والفني، ربما بسبب ميزانياتها الكبيرة، وقلة عوائدها المادية، فيما واصل مهرجان أفلام السعودية صعوده التدريجي، واستطاع أن يركّز ثقله على دعم المواهب السعودية الكثيرة، التي تحلم باقتحام عالم السينما وسحرها الكبير، وخلال السنوات الست، بدأت تتراكم تجارب نوعية في كتابة السيناريو والإخراج والتصوير، وذهب هؤلاء إلى تجويد أفلامهم لتستحق التنافس، ووجد طلاب السينما السعوديون في الخارج الفرصة للمشاركة بمشاريعهم وأفكارهم، وخطف جوائز أفلام الطلبة.
وعلى الصعيد الآخر، ركّز المهرجان على سد الثغرات الفنية والتعليمية للسينمائيين في السعودية التي لا يوجد بها معهد للسينما، فقام بتأسيس برامج مستمرة ودورات وورش محترفة في الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير، وغيرها من تلك التي تؤسس لوعي حقيقي بفن السينما وتاريخه وجمالياته، وعلاقته بالشعر والمجتمع والحياة. 
الدورة السادسة هذا العام جاءت استثنائية بسبب جائحة كورونا، حيث ارتأت الإدارة تنظيمها افتراضياً، وخصصت قناة على اليوتيوب لعرض جميع الأفلام، بما أتاح الفرصة لأكبر عدد من الراغبين لمتابعة هذه الأفلام، وحضور فعاليات المهرجان عن بعد، والمشاركة بتعليقاتهم الفورية، وإعادة مشاهدة الفيلم لأكثر من مرة.
والانطباع العام الذي يخرج به كل من يتابع هذه الأفلام، هو حجم النضج العالي الذي وصل إليه هؤلاء الشباب، والقصص النوعية التي يقدمونها، وإبداعهم في بناء المشاهد واللقطات والتمثيل والحوار، واللافت أيضاً حضور المرأة السعودية واقتحامها هذه الصناعة إخراجاً وتمثيلاً وكتابة، بما يمكن أن يؤسس لبنية تحتية بدأت تتضح وتكتمل، كي تشق السينما السعودية طريقها الطويل بسرعة أكبر وبخطوات واثقة.
ظلت السينما في دول الخليج تعاني من تذبذبات ومراوحات، وكلما تقدمت خطوة تراجعت ثلاثاً، كثيرون راهنوا على المهرجانات السينمائية التي بدأت في البحرين أولاً ثم في الإمارات وعمان، لكن معظمها توقف، وكان هناك مشروع لتأسيس جمعية للسينمائيين الخليجيين، لكنه لم ير النور، ومع ذلك، سيظل السينمائيون في الخليج متمسكين بأحلامهم العالية، ويأتي اليوم مهرجان أفلام السعودية ليمسك ببارقة الأمل لكل عشاق هذا الفن في المنطقة.