نبهتني الشاعرة البولندية «فيسوافا شيمبورسكا» في كتابها «الشاعر والمعلم»، والتي حازت جائزة نوبل، بعد إصدارها تسعة دواوين. في قراءتي لسيرتها في مقدمة الديوان، أدهشني هذا التشابه بيني وبينها في الفكر والسيرة والشاعرية. كما أوجعني هذا التناقض بيننا، لأن الكتابة لدى شيمبورسكا عمل شاق ودؤوب ومعاناة حقيقية، يقابلها متعة الكتابة التي سمتها الشاعرة في واحدة من أجمل قصائدها بـ«فرح الكتابة»، كما أن الشاعرة لم تتأثر بمن قرأت لهم كما ذكرت في مقابلاتها. وهذا القول ذكرني بأنني أنا أيضاً لم أتأثر بالشعراء الذين قرأت لهم. وربما أن شاعريتي نبعت من نسيج الثقافة العالمية التي ترجمت إلى اللغة العربية. وقرأتها في سن مبكرة من حياتي. 
نبهتني هذه الشاعرة إذن إلى ضرورة متابعة أعمالي الشعرية، وعدم التفكير في من سينشرها. لأن هذا التفكير هو الذي يمنعني من مواصلة الاستمرار في تجميع أعمالي. فقلت لنفسي من الضروري أن أنتبه إليك وأتجاوز الشعور بالكآبة والملل، وعدم تكرار هذه الجملة المحبطة التي أرددها كل يوم (ما أدري شو أسوي، وما لي مزاج أسوي شيء). قالت: نعم إنها جملة محبطة تؤدي بك إلى اللامبالاة لقيمتك الأدبية وعدم الاهتمام بأعمالك. لذا استيقظي صباح كل يوم بمزاج رائق ومن دون شعور بالكآبة والحيرة والملل، واستمري في تجميع أعمالك كلها دون شعور بتشتت الأفكار. فقصائدك وكل كتاباتك جميلة وعميقة المعاني والأفكار. كما أكد كل النقاد والباحثين الذين كتبوا عن دواوينك، ولم يذكروا سوى المديح! فلماذا أضعتِ الطريق إلى الشاعرية يا شاعرة البدايات؟. فحين كنتِ صبية كانت أحلامك كلؤلؤ البحر مختبئاً في أصداف الكلام. 
ولماذا حين دارت خطى السنين دورتها في مدار العمر تبعثرت أحلام اللآلئ كرذاذ الغبار في هبوب الرياح وسطوة الأوهام؟ ولماذا لم يعد شغف التأمل في أسرار الكون والكائنات وتبدل الفصول والأحلام والرغبات، مفاتيح لأقفال خيالك؟ ولم يعد في قلبك وهج ينقش الشعر على صفحة العمر وذاكرة السنين؟ ولم تعد ذكرى الحنين والأماني تطرق بابك في وحشة المرقاب؟ أين جميل المعاني والرؤى التي صغتها في نسيج الشعر ولم يمحها غيهب النسيان!؟ وما الذي بعثرك وبعثر أحلامك دون أن يسألك؟ وما الذي أحالك من شعلة اتقدت على مدار السنين، إلى رماد؟!
قلت لها: آه يا نفسي.. عندما كنا شباباً كان للأزهار همس في حنايا ودِّنا. وضياء الأمس حضناً لخفايا شوقنا. ثم مر العمر دون أن يسألنا ما الذي تقنا إليه في نهايات المنى!