متعة التجوال الحر والتسوق المريح التي لا يَكُضّك عليها أحد أو تستعجلك الزوجة العجول أو تبقى تركض وراء الأولاد لكي لا يكسروا شيئاً، تلك المتعة يمكن أن تتخللها جلسة فنجان قهوة مع صمت وقراءة وجوه المارّين أو غداء خفيف لا يتعدى سلطة من التي يحبها قلبك، ومشروباً صيفياً بارداً، بعدها تستكمل مشية التؤدة، متوقفاً عند واجهات المحلات حتى يستدعيك سر تلك العطور الكامنة في رقيها، لكن كل ذلك يغيب إذا ما سحبت الأم وبنتها معك مجبراً على التسوق النسائي الذي يسبب لك تلك الحساسية وبعض الحرج، وكثيراً من الضيق، لأن وجهك سيظل يتلون في المحلات، ويضيء ويبرق في محلات الماركات العالمية، وكثيراً ما تحاول أن تعتذر كزوج بأثر رجعي نتيجة تقليب الزوجة، وتناول بضاعة التاجر بأطراف أصابعها مع امتعاض واضح، وعدم رضا عليها، ومرات تقيس فستاناً فيعجبها، لكنها تجرب أربعة غيره لتتعب البائع، ومرات تجرب أثواباً، وحين تقتنع بواحد، تطلب من البائع أن يأتيها بواحد مثله جديد بقراطيسه، ولا تأخذ الذي قاسته، حريمنا يعتقدن أن محلات أسواقنا والأسواق العربية وأسواق «كولابا» أو شارع «محمد علي رود» في مومبي أو أسواق تايلاند مثل المحلات في أوروبا، لأن الغريب في طبعهن أنهن لا يبالين، ويقلّبن، ويتصرفن وكأنهن شريكات لصاحب المحل، ومرات تشتري الواحدة بمبالغ مبالغ فيها، ولا تساوم البائع، خاصة تلك المحلات الكبرى، ومرات تقف عند بائع ضعيف البنية، وجهه يوحي بالكساد والإفلاس المبكر، وتظل تلعب بروحه التي لا تحب الخسارة، فتبخس بضاعته وتذم فيها، وأنها وجدت أحسن منها وأرخص عند تاجر آخر حتى يقتنع ويبيعها المسكين بخسارة قليلة، وتخرج أنت الزوج وعيناك لا تقدر أن ترفعهما، وبودك الاعتذار الدائم له، حتى تتمنى في نفسك أن لا تلتقي به مرة أخرى حتى ولو كان في المسجد!
وبعد تلك الجولة في المشتريات النسائية بامتياز، بين ملابس أصغر من عمر الزوجة - في نظرك- وملابس مبهدلة ومقطعة وصعبة أن تكوى - من وجهة نظرك- لمشتريات البنت الشبابية والرياضية، تقول في نفسك: سبحان الله.. ولا أحد تذكرك بزجاجة عطر حتى بنكهة الليمون أو بمحفظة نقود جلدية معتبرة، ثم تتذكر أن ما بقي بعد مشترياتهن من المال لا يحتاج لمحفظة، وعطر الليمون لا تحبه، طبعاً بعد يوم طويل من التسوق الذي لم يأت على خاطرك، تجد نفسك مثل الذي كان يسوق الحصى على ظهره، مكدوداً، منهكاً، وليس لك أي قابلية لفعل أي شيء، تجلس بهدوء لتستعيد نفسك المبعثرة، فإذا الأم وعصابتها يترجونك بصيغة العطف الذي لا تقدر عليه، خاصة حين يرسلون لك تلك الصغيرة الممتلئة، والتي تقرأ في عينيها مؤامرة الخروج، لأنهم يشتهون الليلة أكلة «بيتزا» في ذلك المطعم الإيطالي، فلا تملك إلا أن تقول: «حاضر.. دامها طَبّعانة، هوّس على تريجها»!