كلما بحثت في لسان العرب عن كلمة عامية نستخدمها في لهجتنا الإماراتية وجدت لها جذوراً ضاربة في عمق اللغة العربية الفصحى ومنها مُصطلحاتٌ تعودنا سماعها عند عودتنا إلى المنزل إذا رُفعَ أذان المغرب ونحن ما زلنا خارجه. ومن كلمات والدتي تلك التي تعيش في ذاكرتنا حتى الآن  قولها «هاه الرغيد..تذكرتي أنه عندك بيت!» وعندما بحثت عن كلمة رغيد وجدت أن الرغيد في قواميس اللغة مشتقة من الرَغَد وتعني اتّسع وأخصب ونعُم وطاب والرغيد من الماشية هي تلك التي تُرِكت ترتع وترعى كيف شاءت؛ وفي التنزيل العزيز قال تعالى «فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا» أي العيش الطيب الكثير الواسع الذي لا يُتعب فيه. وبعد أن عرفت المعنى الحقيقي للكلمة أيقنت منطقهم وأسباب منعنا من الترف والحياة الرغدة لاسيما وأني كنت العنز المربوطة.
كان أهلنا يحرصون على أن لا نهيت (والهياتة بتعريفها الحرفي هي الهيام على وجه الأرض من دون هدفِ أو غرض)، وفي لسان العرب: هِيتَ لكَ أَي أَقْبِلْ. وقال الله عز وجل حكاية عن زَلِيخا أَنها قالت لما راوَدَت سيدنا يوسفَ عليه السلام عن نَفْسه وقالت هِيتَ لكَ أَي هَلُمَّ، كما روى الأَزهري عن أَبي زيد قال هَيْتَ لكَ بالعِبرانية هَيْتالَجْ أَي تعالَ. وهذه كلمة أخرى تعامل معها أهلنا بذكاء فالذي يراوح ذهاباً وإياباً بلا هدفٍ يذكر هو كمطلب زليخا من سيدنا يوسف وعادت خاوية الوفاض. لذا كانت وصيتهم لنا كقولهم «سيروا البقعة الفلانية بس عن الهياتة»؛ الآن فقط وبعد أن فسرت القواميس المتاحة وسمح العمر بعد النضوج وطلب المعرفة أن منطقهم يحرص على صون السمعة والكرامة في آنٍ واحد!! 
وفي جلسة مع أم خالد التي كانت تخاطب إحدى بناتها على الخليوي وتسألها: «بالله عليك نشدي الدريول جانه بعده ما نهي بيت العرب؟»، وبعد التباعد الاجتماعي والملاطفات التي اقتصرت على لغة الإشارة قلت لها أين أجد هذه اللهجة في القاموس؟ فقالت بكل ثقة: لهجتنا متسامحة ومتجانسة وأصيلة وهذا هو التعايش السلمي؛ ففي هذه الجملة تجدين مناشدتي لابنتي وكلمة دريول المشتقة من اللفظة الإنجليزية driver ونقصد بها السائق ثم سؤالي لها إن كان السائق لم ينهج (أي يشق طريقه) إلى بيت الناس الذين أقصدهم؟! 
***
للعارفين أقول، حملوا تطبيق لسان العرب أو تصفحوا أوراقه وابحثوا عن كل كلمة عامية تقف أمامكم أو تلك التي تستفزكم ولا تعرفوا مواقع الشبط والربط وستتجلى لكم الرابطة الحقيقية والجذور والحكايات حفظتها ذاكرة الإمارات والموروث الثري بعمق الثقافة والحضارة العربية وقد تأكد لنا يوماً بعد يوم بأن الإمارات حاضنة للسلام ومهد العروبة وناسها من أرق شعوب الأرض قلباً وأكثرهم جمالاً.