هناك قادة ملهمون، لديهم من الملكات الإبداعية ما يجعلهم يتفوقون على سواهم، ويسبقون الظرف الآنية بمراحل، مما يسبب لهم ضجة المحيط الذي لا يستطيع استيعاب ما يقومون به من اختراقات في صناعة الواقع الجديد، وحتى يتم هذا الاستيعاب أو الاقتراب من الحقيقة يحتاج هؤلاء إلى سنوات، أو عقود من الزمن، ولكن يبقى في الواقع ما يسدد خطأ هؤلاء الملهمين، وهي قدراتهم العقلية، وشخصيتهم التي تتجاوز الواقع الأليم، وسماتهم، وجرأتهم.
هناك رجال عظماء بقوتهم الشخصية، وإرادتهم القوية واستراتيجيتهم العبقرية، ومكانتهم في وسط الظرف المواتي، كل ذلك يجعل من هؤلاء أياقين حياة، وسيمفونيات سياسة، ومشاعل وعي، وقناديل إدراك، تخضع لهم الظروف، ولا يخضعون لها. 
فمثل شارل ديجول الشخص الفذ، الذي أعاد فرنسا إلى مصاف الدول المنتصرة في 1945، وكيف جنبها الانهيار أمام المتهورين، والباحثين عن الخراب، فالقرارات الصعبة تحتاج إلى رجال لا يهابون المبادرة، ولا ينكسرون، ولا ينحنون أمام الرياح، فهؤلاء لديهم من الجسارة، ما يفضي إلى الخوض في الحقائق الكبرى من دون وجل أو جفول، هؤلاء خلقوا للظروف العصيبة ليحرروا العالم من غبن ومن شجن ليعلوا كلمة الحق، دون توجس أو ريبة، لأنهم يمتلكون حكمة القرارات الصعبة، ولأنهم يحظون بثقة من يحكمونهم، ومن يسيرون على نهجهم، ومن يتبعون خطاهم، ومن يؤمنون بمبادئهم وثوابتهم، ومن يجدون فيهم الخلاص من عهن الأيام، وفي هذا البلد أرسى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بنى معرفية، ووشائج قربى ما بين الإنسان والحقائق الكبرى، الأمر الذي هيأ للإنسانية أن تنبت شجرة عملاقة لها جذورها التاريخية التي تتكئ عليها، هو ذلك الفرد التاريخي، هو صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبضمير الإنسان وحس السياسي الفذ، يفتح سموه الأفق باتجاه الآخر، مؤمناً بأن التاريخ ليس حلقة مفرغة من الهجاء، والرثاء، وإنما التاريخ هو آلة ضخمة يحركها وعي الإنسان بقيمة السلام مع النفس، والذي بدوره يفضي إلى السلام مع الآخر.
وهكذا نحن اليوم نشهد هذا الوعي المتسع، يمضي باتجاه المستقبل كما هي الجياد التي تثب نحو عشب الحقول اليانعة، هكذا نحن اليوم نقرأ الواقع كما كتب سموه على صفحاته بأنه يجب أن نرفع رؤوسنا عندما نضع أيدينا على المياه الساخنة، ولا نغمض أعيننا عن الحقيقة، ولا نحني رأساً، ونحن ذاهبون إلى المعنى الرفيع.