لم يحدث في التاريخ أن استشاط مريض، واعتلى منصة المكابرة مثلما يحدث في تركيا، الكائن المريض الذي خرج من كنف الضعضعة، واستبدّ، وتجبّر، فهذه الدولة استغلت الأوضاع العربية الراهنة، فانتشرت مثل الوباء في الجغرافيا العربية، معتدة بقوة وهمية، وبخرافة أيديولوجية، مالئة الدنيا بصوت متحشرج، وكأنها ذبابة في فنجان خاوٍ.
اليوم تركيا تضرب في العراق، وتتوسع في البحر المتوسط، وتتوغل في سوريا وتهدد وتتوعد، وكأنها دولة عظمى، بينما العملة التركية تتلوى شظفاً، وتختال زاحفة من تحت رماد التهتك الاقتصادي الذي توضحه العمالة السائبة، والبطالة في السوق التركي، والسؤال البريء يقول: على ماذا يتكئ أردوغان، وهو يعبس بوجه غاضب، ومتحدٍ لكل النظم والقوانين الدولية، ويعلن صرامته في وجه الدول البعيدة والقريبة، كما يعلن مناصرته كل القوى، والمنظمات المارقة، والتي تخدم أجندته السياسية؟
في عرف أردوغان، أن سيادة الدول العربية المجاورة، تمثل حديقة خلفية، يجب أن يزرعها بدباباته، وطائراته ليحمي نظامه المهدد بين فينة وأخرى، وأن ما يحدث في بلاده من ظلم واضطهاد لا يمكن إخفاؤه إلا بالضجيج الذي يحدثه هذا الرجل، من خلال طرح شعارات لا تليق إلا بكائن استوحى من دروس التاريخ سلبيتها، وضراوتها، ووحشيتها، عندما يتحدث أردوغان عن الحرية في البلاد العربية، يعتقد أن تركيا صندوق أسود لا يعلم أحد ماذا يجري في داخله، بينما العالم اليوم أصبح على بيّنة بما يفعله هذا الرئيس (الديمقراطي) في الآلاف من الصحفيين، والقضاة، وقادة الرأي، كونهم رفضوا سياسته، الداخلية والخارجية، ولم يبق في صفّه إلا زمرة من الأبواق المشروخة، هذه التي باتت تصفّق، لبطولات أردوغان وعنترياته، وفانتازيا أفلام الرعب.
لذلك نقول إن التاريخ لعبة مزدوجة، وليس حلقة مفرغة، وإن التاريخ لا يعيد نفسه، بقدر ما يطوّر مراحله، ولكن - للأسف - فإن أردوغان لم يستفد من عبر التاريخ، ولم يقرأ جيداً تراجيديا الحياة والموت التي مرّ بها هتلر، وموسيليني، وغيرهما ممن قرأوا كتاب (إرادة القوة) لنيتشه بالمقلوب، حتى انقلبت عليهم الدوائر، وصارت طموحاتهم أوهاماً، غاصت بهم في جحيم النهايات المأساوية.