إذا نطقت بالجمال، فهو فيك وإذا نطقت بالقبح، فهو فيك أيضاً، فاختر من النطق ما تريد أن تعبر به عما هو فيك، حيث يعكس النطق غالباً ما هو في داخلك من أفكار ومشاعر وأحاسيس.
وعند هذه المعادلة تقبل ما سيأتيك من مقدارٍ مساوٍ للفعل الخارج منك متجهاً إلى غيرك، فالكلام والفعل الجميلان سوف يقابلهما كلام جميل وفعل جميل. ولكن عندما تقوم بفعل ونطق قبيح تقبل أيضاً ما سيأتيك من المقدار نفسه الخارج منك والمتجه إلى غيرك.
 هذه هي المعادلة المعروفة والمكررة على مدى أزمان وأزمان؛ إلا أن أزمة الإنسان الكبرى عندما يغضب أو عندما يكون جاهلاً وسطحياً في رؤية الوقائع والأحداث، هي سهولة إطلاق الأحكام وسهولة إطلاق الكلام البذيء وسهولة الكره وسهولة الشتم وربما سهولة القتل أيضاً. وهذا ما نلاحظه في عالمنا اليوم، حيث أصبح الكل قادراً على إبداء الرأي والاطلاع على كل شيء ومتابعة الشاردة والواردة، عبر المتاح على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، الساحة المليئة بالمتناقضات والإشاعات والدسائس والتحريض والفتن بقدر كبير.
إن إعادة التقدير للمشاعر عند الغضب وكتم البذاءة والتحليل العميق للوقائع والقدرة على الاحتضان وربما الحب أيضاً، تبقى من سمة أولئك المميزين، الذين أثمرت سنوات التأسيس فيهم وحضور شغفهم الدائم بالمعرفة والاعتناء بالمشاعر الشفافة والناصعة كالألماس، أولئك النادرين في المحيط الشاسع، الشحيح في الحب، والهائجة أمواجه بفعل عواصف القهر والإلغاء وعقد النقص ووهْم التفوق، وهْم أسقط البشر في فوضى لا تنتهي وعمى تصطدم فيه الأفكار والأجساد على حدٍّ سواء؛ وهْم ظن فيه الجهلة أنهم الأفضل وصدق فيه الأغبياء الكذبة؛ وهْم متتالٍ في سيرة البشر، غرق فيه أجمل ما في الإنسان وهو العقل المستنير.
 العقل القادر على التحليل والمدرك أن العمر مسيرة للنماء، العقل القادر على فرز المتناقضات والعمل على ترسيخ الجمال بكل أشكاله؛ الجمال الذي يجمع ويساوي ويرتقي ويؤمن بالبشر والحيوان، الجمال الذي يعتني بصوت الريح ورقص الأشجار ورقرقة النهر وهدير الأمواج، بصوت الناي ونغمات الآلات، بحرية الوجود وحرية التفكير، الجمال الذي يمس القلب والروح والنفس والعقل، الجمال الذي يجمع كل الألوان، كل الأشكال ويعزف لحن الحب العظيم.