منذ ثلاثة أيام مضت، احتفل العالم باليوم العالمي للترجمة، وهو اليوم الذي تزامن تقريباً مع مرور عشر سنوات كاملة على صدور العدد الأول من النسخة العربية من مجلة ناشيونال جيوغرافيك التي تعد المجلة المعرفية العلمية الأولى في العالم. والحقيقة أن الترجمة هي ركيزة عملنا في هذه المطبوعة. أُكمل اليوم سبع سنوات وسبعة أشهر منذ أن تبوأت منصب رئيسة تحرير فيها، ويعلم كل من يعمل في محيطي المهني أني لا أقوم بعمل الترجمات للمجلة، فهناك زملاء أكفاء يقومون بهذا العمل الحساس للغاية، وكل ما أقوم به -غير الكتابة المتقطعة فيها- أني أعود في أحيان للنسخة الإنجليزية عندما يستَشْكلُ عليَّ فهمُ نصٍّ تمت ترجمته، وأطالب بإعادة ترجمة النص الأصلي بمرادفات أخرى حتى يضبط إيقاع العبارة لتتجانس مع السياق، أو لتكون أكثر سلاسة للمتلقي. إنه عمل حساس فعلا، ولكنه ممتع للغاية كون ما تتم قراءته وترجمته من معارف وعلوم تكتب بصيغ مشوقة جداً وجذابة وملهمة إلى حد كبير.
عملت سابقاً في مهام تحريرية لنصوص اعتمدت على ترجمات لمقالات سياسية واقتصادية عالمية، وهي الخبرة التي جعلتني أدرك تماماً الجهد الذي يقوم به الزميل «رشيد مرزاق» المدقق الرئيسي في المجلة، فبجانب عمله على جودة الترجمات اللغوية، فإنه يقوم كذلك بالتأكد من الموثوقية العلمية للسرد بما فيه من وصف وتفسير، وهو في هذا لا يتوانى إطلاقاً عن العودة إلى قراءة بحوث تفصيلية علمية لنمو بكتيريا ما، أو مشاهدة فيديو لسلوك حيوان. أضف إلى ذلك إصراره على استخدام البلاغة اللغوية في النقل، ودفاعه المستميت عن أي مفردة عربية يستخدمها متسلحاً في ذلك بالقرآن والشعر العربي والأدب بكل فروعه. لا أكتب هنا عن زميلنا رشيد لشخصه، بقدر ما أكتب عن ذلك الوله والشغف الذي يحرك البعض في عملهم، فيبدون وكأنهم يتنفسونه بحرص وحب.
كانت الرموز الفرعونية لغزاً عصياً على الفهم، وقد ظلت كذلك إلى أن أُكتشف حجر رشيد الذي يعد أقدم الصكوك المترجمة، إذ حملت النصوص عليه 3 لغات إحداها اليونانية التي مكنت من فهم الحروف الهيروغليفية التي استخدمها المصريون القدامى. قدم حجر رشيد حل شفرة الحروف العصية عام 1799 والتي بقيت كذلك منذ نشأتها قبل أكثر من 7000 عام، وقدم زميلنا «رشيد» توليفته لقراء مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، فاستحق أن يكون حجر الأساس الذي قامت عليه المجلة منذ صدورها عام 2010 بذلك الإبداع والرشاقة اللغوية.