الدعوة عندما تأتي من رأس الهرم السياسي في الدولة، إنما هي فتح جديد من فتوحات الإمارات العظمى، في اتجاه عالم يتسع ثقافياً، وتمتد أشرعته، بامتداد المحيط الإنساني، وتزهر أشجاره كما هي الحقول في وجدان الأرض، وتزهو أحلامه كما هي أجنحة الطير في الفضاء، وتعشب مشاعره كما هي النجود، وكما هي الخدود، وكما هي الأرجاء عندما تخصب، وتصخب، وترطب، وتسكب، وتحدب، وتكتب على صفحات التاريخ أيقونة البقاء، وترسم صورة الواقع كما هي النجمة في السماء الصافية، وكما هي السحابة الوفية، وكما هي الموجة حين تمشط جدائل السواحل، بأنامل الوجد الوجودي.
المشروع الثقافي المطلوب هو أن تكون للنوافذ الثقافية، زجاجة صقيلة، أصيلة، شفافة، وافية الشروط، أبجديتها، وفصولها، وأصولها، ورحابتها، وجزالتها، وفضيلتها، وسجاياها، وقدرتها على الالتحام بكواكب أخرى في هذا العالم الوسيع، والمتراكم كماً وكيفاً، وقدرات ومميزات وإمكانيات.
الثقافة هي سقفنا الذي يحفظ مكتسباتنا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، الثقافة الشراع الذي من خلاله نستطيع أن نحمل محتوانا الفكري إلى الآخر، لنقول له ها نحن هنا، معك نسير في نفس القارب، ومعك نصافح الحياة بأيدٍ من غير سوء، ومعك نبني مجد البشرية ومن دون رتوش، أو خدوش، تشوه المعنى، وتسيء إلى الطموح.
الثقافة هي الشجرة التي نحنُ الذين نضع الثمرات على أغصانها، ونحن الذين نملأ جداولها بالعذوبة، ونحن الذين نلون أزهارها، ونحن الذين نشكل أوراق أشجارها ونحن الذين نمنح أجنحة طيورها القدرة على التحليق، ونحن الذين ننقش الشفافية في شغاف الفراشات.
للثقافة فلسفة الحب، والتعاطي مع الآخر، بصورة لا تقبل التضمين ولا التخمين، ولا الهروب إلى حيث تكمن الصحاري الجافة. الثقافة تتطلب منا أن نخرج المثقف من برجه العاجي، ليصبح بين الناس مثل زجاجة عطر، تعبق، وتضمخ، وتبخر، وتجعل الحياة مثل الزهرة تعطي من غير شروط، ومن دون التقوقع في مضارب الاستعلاء، والتفاخر باللاشيء.
الثقافة تدعونا لأن يصبح المثقف، مع وليس ضد الحياة، ومع وليس ضد الحب. الثقافة ليست إنتاج تراكم من الكلمات المبهمة، وإنما هي توسيع للوعي، وأزهار للإبداع بما يضيف للإنسانية من معنى في الوجود.