من قبيل فلسفة الحياة أن تنحت كفنان، لتصنع رؤى أفكارك من قواميس ثقافية مختلفة، لترسمها في سياقها حتى النضج المتجلي بحثاً عن روح لها، لتكتمل فيها سمات الحياة المختزلة كل الرؤى، فهذا ما يبحث عنه الإنسان دائماً، يبحث عن الرؤية الشاسعة المتصلة بالنمو الفكري والوعي بأسلوب الحياة، المتأنية مع الوقت الذي قد يكون رتمه القلق، وقد لا يحسن المفكر التعامل مع الوقت لإيصال الحياة بكل الأفكار، لكنه كما لو أنه يهرب في زورق مليء بالرؤى بعيداً، ونحو إشرافات حياتية محتملة.
يكاد المفكر يمد الحياة بمحاكاة البشرية عبر أزمان الحضارة المعاصرة ورقيها الأدبي والفني، يمنحها المفكر رؤية لا تنكسر ويلهمها الجمالية النابعة من التأمل المشبع بصور الحياة، فهو المفكر المبدع يقاوم الصعاب، من أجل شمعة للبشرية لا تنطفئ وتنير آخر الطريق. 
لذا كم تبهرنا أعمال فنية وكتابية لا تنحسر من الذاكرة الإنسانية، وهي ذات رؤية جميلة وقد تجاوزت محطات الزمن ولم تدفن في باطن الحياة ولم تغترب في الشتات، وقد يكون المفكر كطائر جميل لكنه جريح من تبعات ما قدم للإنسانية، وقد لا يحزنه أمر النسيان للذات ولا تثقله عواقب ما ينفذ من أعمال دون الإشارة إلى حقوقه الأدبية أحياناً، وقد تكتمل الرؤى حين تنبت في الحياة نبتاً مختلفاً، وقد تملأ الأرض ثماراً.
لذلك هناك أناس من المفكرين والعباقرة قد رحلوا من الحياة، وبقيت أعمالهم تزين الحضارة ويبتكر منها انطلاقات فكرية فنية قادرة على محاكاة البشرية عبر الأزمان المتتالية، فالأفكار العظيمة تمنح الحياة رؤية لا تنكسر ولا تتبدد، بل تلهم الحضارة وتعاصر الجمالية الإبداعية المتعاقبة، وتؤثر في مكوناتها والحفاظ على تراثها.
تبدو الحياة كماً من عوالم الفكر وشرائح الرؤى تتجسد في الزمن الذي نعيشه، وهناك دوران للحياة وللوقت للرؤى وللخيالات، وعلينا أن نشاطر الحياة بكل تجلياتها، ثمة أعمال فنية قد تبدو تمس الحضارات وتغيب عن الذاكرة، وهناك أكثر من مقطوعة موسيقية لا تستحضرها الإنسانية، وثمة قصص وروايات غيبها التاريخ، وحان للإنسان أن يفتش عن رؤاها المفقودة.