من هؤلاء الذين يملؤون رؤوسهم بأفكار الحروب والدمار، الذين يطوحون بالقنابل والبنادق وقذائف العدم كأنما الموتُ والخراب انتصار يقيمون له المهرجان ويحتفلون به. من هؤلاء الذين يطفئون ضياء الحياة بانفجارات العتمة؟ الذين يفتتحون سراديب الهاويات ويعزفون على وتر البكاء والحسرات والنشيج. يا لهذا الفضاء المكتظ بوحشة الفتك المائلِ نحو فداحته وانهياراته! كان الإنسان يسند الأشجار بقاماته ويهندس الأنهار والآبار والينابيع. ويبتكر لكل الفصول أنواع الزراعة والنباتات التي تحفظ البقاء وديمومة الحياة. ويسعى ليبتكر ويكتشف المدى الكامن في غيبوبة المقبل. يتناسل في طمأنينة ليلد الأبناء والأحفاد. ويطور أحقاباً من كيمياء النشوءِ والحضارات!
ماذا نقول لأحفادنا حين يقرؤون التواريخ؟ كم حربٍ أشعلوا، وكم جسدٍ مزقوا وكم عرسٍ وأدوا، وكم صروحٍ من الرصاص بنوا، وكم مستقبل من البنادقِ وأسلحة الدمار ابتكروا كي يتقاتلوا! وكم انحنت رؤوس بذل من تضرعوا، ومن ركعوا، ومن صرخوا مستعينين، ومن صمتوا عاجزين. ومستقبل مضيء يتمنون. هكذا يحلو لهم في العجزِ محاصرة حاضرهم وإضاءته بنور أحلامهم وطواياهم. يخلعُون عليه أمنياتهم ويسمونه: مستقبلاً! وهم إلا حطام سفنٍ تؤر جحها الرياحُ على هياج الموج. الليلُ يأخذنا إلى ناصية ليلِ مجهول خفاياه. كأنهم صاروا رهائنه ومقيدين بعتمته، فلا تشرق عليهم شمس ولا يسري بضوء الصباح، ليروا ما لا يرون في عتمة الليل المستفحلة. كأنهم غرقى لا يرفرف لهم شراع، ولا يلوح لغرقاهم مرفأ للنجاة من ‎دمار الحروب.
لماذا لا تهتدي هذه الدول التي لا تكف عن الاحتراب، بنهج الإمارات في التسامح والسلام؟ الإمارات التي تنبذ الحروب وتنشر السلام وتحتضن المغتربين من كل أرض ومهما تعددت أسباب اغترابهم يجدون في حضن الإمارات الترحيب والتقدير. ويرتقون بآمالهم إلى فجر التحقق. فلا تفريق في نهج الإمارات بين عرق وعرق ولا بين جنس وجنس، فكل البشر سواسية في نهج الإمارات. 
فسلاماً لكم من الإمارات يا بشراً تطوح بكم أوطانكم الضليلة إلى هجرات لا تدركون سلامتكم وتحقق أحلامكم فيها. فالغيب مبهم وأحلامكم في أوطانكم قد كفنت بالرصاص. سلاماً لأرض لبنان واليمن وليبيا وغيرها وغيرها شرقاً وغرباً. سلاماً لشرائط الفتياتِ ودفاتر الأطفالِ التي لوثها الدم. سلاماً لدمع الأمهات كسيول البراكين ينهمرُ. سلاماً لأرض النبوءاتِ والرسل التي صارت بالضلالة وشهوة الحروب تلد الأفاعي! طوبى لموتانا إذ لا يسمعون هذا العويل!
ماذا أقول غير هذا الهتاف على لسان كل البشر: نحن البشر الساكنون في كل بلد ومنفى وملجأ، لا نريد الحروب والدمار والقتل. نريد أوطاناً تفيض بالتسامح والمحبة والتحضر والرقي، وكوكباً يحضنه السلام!