في مقهى مفتوح على الهواء الطلق ليلاً بتايلاند، يأتون لك بأقفاص مليئة بالعصافير ويبيعونك إياها، لتطلقها ضمن طقس شعبي لديهم يعني بأن هذه العصافير إذا حلقت، فإن ذلك يعد فألاً حسناً، وأن أحلامك سوف تتحقق.
وبعيداً عن أن الأحلام سوف تتحقق أو لن تتحقق، كان فعل تحرير العصافير من أقفاصها بحد ذاته فيه شيء من الرأفة بهذه الطيور كي تحلق بعيداً في سماء الحرية وتأخذ معها الأحلام بتحققها أو بعدمه، أو ضياعها في الفضاء الرحب؛ ولشدة الرغبة في تحقيق الحرية والسلام لهذه العصافير أذكر بأني تحمست كثيراً، ولم أتردد كلما قدم لي البائع قفصاً في أن أدفع الثمن وأطلق تلك العصافير ومعها الأحلام، إلى أن تدخل صديق برفقتي، وأسر لي بأن ما يحدث مجرد خدعة، فهذه العصافير لا تغادر أكثر من 50 متراً لتعود إلى أعشاشها أو مكان تربيتها الذي تعودت عليه، وتعود لهؤلاء البائعين الذين يأتون بها من جديد في الأقفاص ذاتها ويعاودون بيعها للزبائن، مؤكداً «انتبه إنها خدعة»؛ ما يعني لا حرية للعصافير التي تعودت على عشها ولا أحلام تحلق وتتحقق لفاتح القفص محرر العصافير.
لكن رغم الغش في الأداء، تبقى الفكرة جميلة، حتى وإن تضامنت العصافير ذاتها في الخدعة، فإن الشعور الإنساني النبيل الذي يكون في داخلك هو أكبر من الخدعة والكذبة، وهذا ما لم يستطع الصديق لمسه، وانتبه فقط للشرك الذي وضعه الباعة الصغار لك.
***
في هذا الطقس الجميل الذي بدأ يدخل كعادة من كل عام، بدأت طيور النورس المرتحلة على الدوام تأتي إلى سواحلنا حاملة معها مشهدية رائعة للبحر، النوارس التي تحلق كالأحلام، ترتحل في أسراب بين البحار وترسو كالسفن في الموانئ، توزع الفرح والبهجة في نفوس مشاهديها، فهذه هي هداياه الموسمية التي تشبه الأحلام حين تتحقق، الأحلام التي نريدها، الأحلام بحياة أفضل، الحلم بالمحبة والسلام يسودان الدنيا كلها.
أحلام لا تبقى بعيدة، محلقة في فضاء الأمنيات الشاسع، ولا كلما استبشرنا تحققها افتعل الأشرار طوفانا كي تعاود الطيران في الفضاء ولا تحط لتريح الأرض من تعب الخراب والبشاعة التي تهز أركان الواقع المتداعي باتجاه المزيد من الخديعة، كالأقفاص التي تصر على خداعك بعصافير لا تتحرر وأحلام لا تتحقق.