هكذا هم، بعضهم يثريك، ويملأ محيطك بزعانف أشبه بالأجنحة، ترفعك، وتأخذك إلى حيث تكمن أفكار التسامي، بعضهم يثريك، ويجعلك مثل فراشة حرة تحدق في وريقات الزهر، ثم ترشف، وتهتف بأن العبق هو سر الشفافية.
بعضهم يثريك ويغريك كي تمضي في السفر من دون أسئلة الخوف، والجفول. بعضهم يفتح لك جدول الماء لتسقي نخلة القلب، وتروي عشب أيامك من دون وجل أو جلل.
بعضهم يسابق الزمن كي يضيء منزلك بمصابيح الفرح، وتصبح ابتسامته هي القاموس الذي من خلاله تعثر على أبجدية سعادتك، تصبح ابتسامته هي المصباح المنير الذي يغسل جفونك من قذى الأحلام الرمادية.
بعضهم مثل النسمة تطل على خافقيك، فتهفهف أجنحة قلبك، فتطرب أنت، فتجتاحك صحوة ما بعد غفوة.
بعضهم يملأ حضوره مكانك وزمانك، ففي غيابه أو حضوره هو يجسد في عقلك المطلق المتدفق في كل نواحيك، وجوانبك، وحواشيك، وهوامشك، وجوهرك، ومحورك، وفوقك، وتحتك، وخلفك، وأمامك، وبعضك، وكلك، بعضهم لا يحتمل التضمين أو التخمين، إنه الواقع الذي يحتويك، ويروي لك قصة الوجود، بأنك في هذا الخضم الرحب، فأنت واحد في الكل، ولا مناص من الإيمان بوحدة وجود، ولا مجال للتملص من فكرة هي في الأصل، أصل المعرفة، وجذر الحياة.
بعضهم يمنحك معطف الدفء لمجرد أنك تقترب منه، ويعطيك لغتك التي قد تكون نسيتها جراء ظرف ما، فتبدأ في التهجي بداية، ثم تنفتح لك الأسارير، فتتدفق أنت كالشلال، وتبدأ في استعادة كينونتك، وتصبح في المحيط إنساناً يولد من جديد.
بعضهم يبدو لك وكأنه حارس مدرسة قديمة، يتربص بك، ويتخيل أنك الغريب المهيب المداهم، فتضطر مرغماً على الكشف عن هويتك، وبعد مخاض عسير لمداولات عصيبة، فقد تستطيع أن تقنعه بأنك تمر من حوله فقط لأجل الوصول إلى بيت جارك.
بعضهم، علامته المميزة هي الجهامة، وتغضن الحاجبين، وتعقد الجبين، ومط البوز مثل خرطوم ماء قديم. بعضهم نسي الابتسامة منذ أن تعجرفت مشاعره، وتيبست عروق القلب، وأصبح هذا القلب مضغة ناشفة.
بعضهم تصل معه إلى نتيجة حتمية مفادها أنه عندما ينفخ شدقيه، يستطيع أن يقنع الآخر أنه شخص مهم، ومؤثر في المحيط الذي يعيشه. بعضهم والعياذ بالله، لا يستطيع أن ينام إلا بعد تنفيذ تجربة في إدخال الهم، والغم إلى قلوب الآخرين.
بعضهم يرى أن «كبرياءه» لا تسمح له بأن يعطف على ضعيف، أو يتحدث بلطف مع صغير، إنها الكبرياء التي تخرج السمكة من الماء لتلقى حتفها على الشاطئ.