في المشهد المشحون بخيبة الخسارة كان مشجعاً هلالياً يقف على مدرجات ملعب التدريب في النادي الأزرق، ويصرخ بأعلى صوته: «حسّ يا سالم.. حسّ»، رددها مرة تلو أختها، وكان يسبقها أحياناً بكلمة بذيئة أو كلمتين.. ترك كل لاعبي الفريق واختار سالم الدوسري الذي لم يكن قائدًا ولا هدافاً وصبّ عليه حميم سخطه!
كان الهلال للتو قد خرج من بطولة آسيا، وكانت رائحة الهزيمة تملأ المكان، وزفرات الهلاليين الغاضبين ترفع درجة حرارته، والصراخ كان هو المتنفس المتاح، والانفجار الوحيد الذي يُسمح بحدوثه.
صراخ المشجع الحزين، كان واضحاً جدًا ليسمعه سالم الدوسري وكل لاعبي الهلال، كان الكلام الساخط موجهاً لهم كلهم، لكنه انتقى سالم ليكون كبش الفداء السمين، لهذا الخروج الآسيوي المُهين.
كاميرات الهواتف المتنقلة التقطت اللحظة الحانقة، المخنوقة، الخانقة من زوايا مختلفة، ثم سرت بها وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي كما تسري النار في الحطيم الهشيم، ثم دخلت السخرية، والازدراء، والانتقاص على المشهد شيئاً فشيئاً، حتى حولته من غضب مؤقت مباح، إلى حرب شرسة وجهت فيها إلى صدر سالم وظهره البنادق والرماح، من آل بيت الهلال ومن آخرين خارج البيت الأزرق ينعشهم أن يبقى الغضب ساطعًا، وسيفه حاداً قاطعاً.
سُئل سالم بعد أيام من هذا كله: «ما تعليقك؟!»، فكانت إجابته وهو الصغير في العمر كبيرة جداً، وفي جوفها ينبض قلب رجل شجاع: «لو لم أكن لاعباً كبيراً لما تكلموا عني».
مضت 5 سنوات على هذه الحادثة، فما الذي فعلته بالنجم الهلالي؟!.. هل آذته نفسياً وحبسته في يأس لا يخرج منه؟!، هل حطمته، وجعلت منه لقمة سائغة للإحباط، وسرقت القوة من همته؟!، هل سحبت الرغبة الشديدة في الفوز من روحه؟!..
لا لم تفعل، لأنها واجهت لاعباً كبيراً حقاً، لم تقدر على هزيمته وهي التي كانت تُخطط لسحقه تماماً.. ابتسم في وجهها ابتسامة القادر على الفوز بالحرب كلها وليس معركة صغيرة في كرها وفرها.
لم يكن ما حدث بالنسبة له إهانة، وإنما درس مفيد، قرر أن يفهمه جيداً وأن يجتهد في جعله منهجاً له في الملعب، قال لنفسه: «أنا لاعب كبير، ويجب أن أكون لاعباً كبيراً جداً، يجب أن أكون مصدراً من مصادر المتعة والبهجة والفرح، وسببًا رئيساً للفوز»!
 الآن سالم الدوسري صار لاعباً كبيراً جداً، جداً، ومصدراً من مصادر المتعة والبهجة والفرح، وسبباً رئيساً للفوز، فهو مرشح للفوز بلقب أفضل لاعب في آسيا، وفي آخر مباراتين آسيويتين للهلال فاز بلقب رجل المباراة، وله بصمة واضحة ناصعة ساطعة في فوز «الزعيم» بكأس آسيا، وحضوره في الملعب يسرّ الناظرين، وينعش القلب الخائف من هزيمة محتملة!
كبر سالم الدوسري جداً حتى صار قائدًا لمنتخب بلاده، وصار الصغار يحاولون تقليده، ويجدون فيه مثالاً فنياً يُحتذى به.
حَسّ سالم.. حَسّ، وحين فعل كان إحساسه طاغياً لاغياً لكل ما تقدم من الخسارة وما تأخر، فهل يحتاج كل لاعب إلى صرخة غاضبة باسمه كالتي سمعها سالم ليحسّ؟!.. وإذا حدث ذلك كيف سنضمن أن كل اللاعبين يملكون نفس عقله وروحه، وسيتعاملون مع الصرخة على أنها درس أو نصيحة وليست إهانة بذيئة قبيحة؟!