على الرغم من ما شهدناه هذا العام من أحداث دراماتيكية، جعلت البشر يتشابهون إلى حد كبير حتى في مشاعرهم تجاه الأشياء لا في سلوكياتهم وأشكالهم فقط، برزت حاجة ملحة وشديدة إلى تفنيد خصوصيتنا أمام الجرف العالمي بشكل مُلح أكثر من أي وقت مضى. كنت أنظر سابقاً إلى هذه الخصوصية كأنها ذريعة يستخدمها المتحجّرون في بعض مجتمعاتنا العربية لعقود طويلة على مختلف أشكالها لتحقيق غايات معينة، ولعل هذا ما جعل الكثير من أجيال العولمة تبتعد أكثر فأكثر عن تاريخها وتراثها وتقاليدها، غير أن تلك النظرة الحدية لها مساوئها التي تعانيها الآن. وكتابتي هنا ليست في صدد إقناع هذه الأجيال بالعودة عن ذلك، بقدر ما هي بصدد إبراز القوة التي يمكن أن نجنيها جميعاً، في حالة أننا اتفقنا على عدم ازدرائها أو الاستخفاف بهذه الخصوصية، وأخذها أخذاً واحداً. 
تعلمنا في زمن كورونا دروساً جبرية، في كنهها، أن الذهاب بعيداً لمعرفة ذاتك وهْم صدقناه طويلاً. وأن الحقيقة تكمن في أن التفاصيل الصغيرة التي توجد تحت أقدامنا كفيلة بأن تعلمنا عن ذواتنا بدرجات تفوق الذهاب بعيداً. وأن المتاح في مساحاتنا الصغيرة كثير وغني على عكس ما نعتقد. وأن في جعبة كل واحد منا حكايته الخاصة التي يحق له سردها بكل اعتزاز وتقدير، لأنها مهما تشابهت في معناها مع حكايات الآخرين، إلا أن فيها ما يخصها وحدها. وأنه مهما كانت الأدوات التي نملكها تتطابق مع ما يملكه غيرنا، إلا أن لنا استخداماً مختلفاً ووقتاً لا يتطابق، ومخرجاً فارقاً من استخدامها. وهذه الفروقات لو تعلمون كم هي عظيمة وعميقة ومؤثرة.
لقد علمتنا كورونا أن ننظر للآخر بقرب أكثر، وأن ننظر لأوضاعنا نظرة شاملة، غير أنها قدمت إلينا دروساً عظيمة في تقدير خصوصيتنا، والتوقف عن النظر إلى من هم خارج ثقافتنا أنهم أفضل وأرقى. قدمت لنا كورونا درساً قد لا يتكرر مرة أخرى للحاق بما فاتنا من فرص لإعادة اكتشاف ذواتنا ومحيطنا الصغير، اكتشافاً يضيف للعالم ولا يتنقص منه.