وأنت في الشرفة، في الدور الرابع، يبدو الفندق، مثل سحابة وأنت على متنها طائر يحلق في المكان متأبطاً الوجودية كأنها ريش نعام تغطي وجه الحياة، وتلونها بالدهشة.
في هذا الفندق، «إيلا جراند»، وأنت في العلو المتدفق وعياً بأهمية العين كمدينة خضراء، وأهميتها كعابرة لوجدان صبي كان في نعومة أظفاره ينصت إلى الهديل فوق أغصان الشجرة المحروسة بعيون عشاقها، في تلك الزاوية من العالم التي يطلق عليها اسم «الحديبة»، واليوم وبعد فراق طالت سنواته، يجد نفسه مسربلاً بأحلام تبدو مثل لون الغبار على المرايا القديمة، يجد نفسه في حضرة حسناء تجلت صباحاً كأنها الباقة، زاهية بهية صافية مثل عيون الطير، هي مدينة العين، حباها الله بقطرات الندى، تنثر بريقها مثل فصوص القلائد على نحور ذوات العيون الحور، المتوجات بلمحة البرق.
أينما تولي وجهك تجد الصباح يحلق بثلاثة أجنحة، جبل حفيت، والعين الفايضة، والمبزرة، وأنت هنا تعبر التاريخ، كأنك تمخر عباب المحيط، أنت تموج بأيامك، وأحلامك، وطور فوضاك العارمة ترى ما يراه النائم في ذات ليلة مبهجة، ترى المشهد في هذه المدينة احتفالياً، ترى المدينة كقارئ امتهن الصمت، ليجلي ما في الفؤاد من صدأ، ويستمر في التواصل مع النجمة ومعانقة الغيمة، وتلاوة الإبداع الإلهي بتمعن، ودقة ورقة، تجد المدينة كعابد متبتل، يرنو إلى السماء وقد تزينت بصفاء، وينظر إلى الأفق وقد تباهى بنسقه الرباني مسبوكاً بحمرة الخدين.
هذه المدينة تسكن عند خاصرة التضاريس الإماراتية، وقد نأت في مكانها بعيداً عن الضجيج، وتسامت عن فحيح المخلوقات ذات الصوت المعدني، هي هكذا في براءتها بدت في أتم شفافيتها، محتفية بالنهار، بأغنيات سرية لا يتقنها إلا الطير، والذي هام، وحام، وسارت قوافله مصفقة بأجنحة كأنها كفوف أطفال في ساعة مرح.
هذه المدينة تسترخي على مهد الاخضرار، وتسرج خيول محبتها، بعفوية منسابة من مهج التاريخ وتتأمل العالم، كرسام يوشك أن يبدأ في وضع الخطوط الأولى لوجه موناليزا صحراوية والريشة غصن غافة، واللون من لون الرمال الذهبية، تتخيل ذلك الرسام، فقد يكون بيكاسو أو فان جوخ، أو سواهما، أو بدوياً من صلب الصحراء، بزغ هنا تحت ظلال الغاف شعاعاً فطرياً، ينحت الأرض بأقدام كأنها أقلام الحبر، وكأنه الفيض السماوي على الأرض.
هنا في العين تبدو الأشياء جميعاً، فرحاً، برائحة النخيل، وطعم الليمون، وعبق الأفلاج التي إن غادرت مكانها، تبقى في ذاكرة الناس الطيبين، شرايين حياة.