ها نحن قد وضعنا الخطوة الأولى نحو طريق العام الجديد، العام الذي يحلم فيه الإنسان أن يكون العام الأفضل، يتمنى الخيرون في كل بقعة على الأرض، كل زاوية، كل شارع أن يفتح العام الجديد ذراعيه ويحضن البشرية بحبّ، أن يفتح صفحات جديدة بحروف وكلمات ترفع من وتيرة الأمل في أن يكون اليوم جميلاً وغداً أجمل.
فالمستقبل هو الذي نطمح أن تتغير فيه الأحوال السيئة، ونعبر إلى زمن أكثر جودة في حياة الإنسان، إلى حال مختلف عن حال كان، أو ما زال متعباً ومرهقاً ومعذباً؛ حال يجعل الرجاء بزواله الطموح الأخير في الحياة، أن تزول كلمات الشقاء والألم والخوف والقسوة، من وجه الأيام، أن تتساقط أقنعة وتنبت وردة، أن تشع الابتسامات، وأن تعزف الأشجار لحناً للصباح.
يشكل الحاضر والمستقبل أكثر محطات الزمن التصاقاً بحياتنا، إنها نحن، كيف نفكر ونعيش، نعشق ونفرح، نرقص ونكتب، وكيف نغني ونقول، يشكل الحاضر والمستقبل أحلامنا وطموحاتنا ورؤيتنا للحياة، لذا من المهم أن نؤمن بأن محطات الماضي ليست سوى تاريخ دفع بنا إلى مانحن عليه اليوم، دفع بنا لأن نكون في الجمال وفي الوقت نفسه دفع بنا إلى أن نكون في القبح؛ لكن من المهم ألا يبقى الماضي يُسير حياتنا في الحاضر، ألا يدخل في أفكارنا وسلوكنا وقناعاتنا ويقرر ما يجب وما لا يجب أن نكون عليه، ألا نتبعه بلا بصر وبصيرة ليردنا إلى خلف الزمن أو يضرب بنا في الجدار، ويهشم معنى وجودنا في الحياة؛ على الماضي أن يبقى بما كان جميلاً فيه محط الاحترام والتقدير، وما كان سيئاً يذهب إلى مزبلة التاريخ وتبقى منه العبر؛ ولنمضي في زمننا وقدرنا ومرحلة عمرنا نحن، نعيش ونفكر ونبني ونحلم.
فهذا العمر القصير والثمين يستحق أن يعاش بمراحله كلها بجمال، من صرخة الولادة إلى الشهقة الأخيرة للروح، سنوات نملأها بالحب والثقة وقوة الأمل والبهجة، حتى حين ينهار الجسد ويوشك على التداعي الأخير، والخروج عن خط الحياة؛ حيث نسلم الراية للقادمين في الزمن الجديد ليشكلوا هم أيضاً زمانهم وتاريخهم، ويرسموا لوحاتهم، وينسقوا الألوان كما يرون ويطمحون ويتمنون.