إثراء للحياة تتسع الأفكار بمداها البعيد، لتمرر أحلامها الموثقة دون اندثار، ليصب الإنسان جل عطائه وكأنه يبتكر لنفسه محاور زمنية مختلفة الرؤى، إن الحياة باتت تهندس لنفسها سمات تبتكرها، وتطرح من عرفها سمات باتت مزمنة ومنحسرة عن الوجود، بينما همها المثابرة نحو القادم، وهي لحظات الاستشراف دون جدلية زمنية، فلا وقت للمعاناة مهما اشتدت على البشرية، كأن العالم محض بدايات متقنة ومتجددة المعنى، باقية على الإنسان الجديد في عرف التطور، وهو متمسك بخيوط اللعبة القادمة.
جدلية الحياة مفرطة ما بين ما رحل وما هو آت، وما بين حزن، أو فرح اندثر ضمن فكرة الذاكرة الموروثة، فلا شأن كما يبدو للحياة القادمة بالوجود من عدمه، فهي مسرح ليمارس الإنسان مسرحيته الآتية كيف يشاء، وتبقى قضايا الإنسان جلها مع نفسه، توتراته الثائرة مع خصومه، ويبقى هدوءه المتآكل مع الصمت، أو ما تفضي به الحياة من إرادة تائه من خلال وتيرة الأعوام. 
فما مكمن الحياة من عدمها وسط قيامة من التشكل، فلا مكان للمشاعر المتوارثة والمنتهية، والتي كانت تحاصر الإنسان، وتستشف منه جدليته مع المكان والزمان، والتي ورث منها إفرازات لا قيمة لها، فكيف يضمن بها احتمالات القادم، بل هي ضمن انحسار الأزمنة المألوفة.
لا شك بأن فكرة استشراف القادم أصبحت تخرج من عنق ذاكرة المكان، فالحياة تتسع بالتكهنات، ولها حراكها المكسو بالبحث عن حياة أخرى، إنه عالم غرائبي النزعة يجر عربة من التطلعات، ويزداد تألقاً بالحياة المنصهرة بالتكنولوجيا، بعد أن عصفت بكل احتمالات الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، وأبقت على الإنسان باحثاً عن عالم آخر، أو يرتجي كواكب لا تشبه كوكبه، ربما هي بدايات محتملة لما حلم به الإنسان من تواصل مع عالم من المخلوقات بالكواكب الأخرى، إنها ذاكرة الإنسان التي لا تقبل إلا التحديات الجريئة والمتحمسة، ولا تعي الاستقرار ضمن المفاهيم المعتادة.
إثراء الحياة بالأفكار هي ترانيم فطر الإنسان عليها، لكن ثمنها باهظ، لذا لا يستند الإنسان بالتمسك بعقد الماضي فريد السحر والمعالم، لكن العقد ربما يندثر ضمن إرادة التغيير، فالحياة لم تعد تحدد معالمها ضمن نسيج المكان، بينما الأفكار أصبحت قيد الاتساع الكوني الرهيب.