صادف يوم أمس، الرابع عشر من يناير، اليوم العالمي للمنطق الذي أقرّته اليونسكو بالاشتراك مع المجلس الدولي للفلسفة والعلوم الإنسانية. يومٌ مر على الناس وهم أكثر حاجة إلى هذا المفهوم العميق جداً وضرورته للشعوب ونهوضها بين الأمم. بالمنطق وحده يمكن للعالم أن يصل إلى بناء تفاهمات تحتاجها البشرية لتعزيز ثقافة الحوار والسلام والتسامح. وكل غياب للمنطق هو تغييب للعقل ودعوة مفتوحة لأفكار الجهل والظلام أن تظل سائدة. الحكومات التي حاربت الفلسفة ومنعت التفكير المنطقي وقبلت بالجاهز وروّجت للتلقين والنقل، هي التي نالها التراجع وتسيّد فيها التخلّف وتغلغلت بين أبنائها أفكار الرجعية والخوف. الأمم التي أتاحت الحرية للعقل أن يفكّر ويحلل ويستنتج، هي الأمم التي نهضت بالعلوم وتقدمت في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والابتكار. إنها معادلة بسيطة، ولكن لماذا لا يتم الأخذ بها؟
يخاف الإنسان الظلامي من المنطق ويعتبره عدّوه الأول. يخاف الجاهلُ من الفلسفة خشية أن ينزلق في أفكارها الحرة. وفيما تحثّنا الأديان على التفكّر والتأمّل والسعي في الأرض وسبر أغوار المجهول فيها، تأتي بعض الجماعات لتحذّر من هذا التفكّر وتعتبره بدعة وكفراً. رأينا ذلك عندما ارتفعت الأصوات التي نادت بمنع تدريس الفلسفة في المناهج التعليمية، لنكتشف أن هذه الأصوات كانت تسعى لتدمير بنية المجتمع ومنع انفتاحه وتقدمه للأمام.
تبنّت الإمارات رؤية منفتحة على ثقافات العالم، وقدمت نموذجاً فريداً في طرح مفاهيم التسامح والابتكار واستشراف المستقبل، وذهبت أمام ذهول الجميع إلى التسابق في علوم الفضاء وارتياد الآفاق وصولاً إلى المريخ. وفي عمق هذه الرؤية وجوهرها يكمن المنطق والتفكير العقلاني الحر الذي يقود إلى الإبداع ومن دونه لا تكتمل المعادلة. لذلك ذهبت الإرادة السياسية إلى إعادة تضمين المناهج الدراسية بمادة الفلسفة بداية من العالم المقبل، وهي الخطوة التي كانت ناقصة في منظومة العمل التربوي طوال سنوات ماضية. وإذا أردنا من أجيالنا الجديدة أن تبتكر وتضيف بصمتها الجميلة في هذا العالم، فإن التفكير الفلسفي والمنطقي هو السبيل الوحيد لها. وإذا أردنا أن نتقدم أكثر في سباق التنافسية العالمية، فإن العقل هو سلاحنا الوحيد في هذا السباق. وأقصد العقل الحر المنفتح القادر على الخيال والذهاب بعيداً لاقتناص الفكرة الشاردة وتحويلها إلى سحرٍ ملموس.
لحظات التنوير الكبرى في تاريخ البشرية تولدت من التفكير المنطقي. وبه قامت العلوم والفلسفات والآداب والفنون. وبه أيضاً نستطيع أن نؤسس لثقافة حرة مستنيرة لا يجد الظلام منفذاً للدخول إليها.